حياة طفلة سودانية تتعرض للخطر في مصر بسبب قرار سوداني

العلاج في مصر .. الخلط بالسياسة
لم أر خلطا للأوراق مثل الذي يحدث في شأن علاج السودانيين في مصر. وقبل أن أتحدث حديثا عاما حول كثير من الأقوال والسياسات والمواقف، لا بد أن أقف علي حالة ماثلة أمامنا، وهي تمثل قمة المعاناة الناجمة عن الخلط المخل بين السياسة ومصالح الناس، ووصل الأمر أن تتعرض حياة طفلة سودانية للخطر، وتقف القرارات غير الموضوعية حائلا دون علاجها، هي الطفلة نمارق منير ذات الأعوام التسعة التي قرر الأطباء في السودان حاجتها لإجراء زراعة كبد.

ولأن السودان لا تجري فيه عمليات زراعة كبد حرر لها القومسيون الطبي شهادة لإجراء هذه العملية في القاهرة، فأخذتها والدتها نسرين سيد وسافرت بها إلي مصر للتبرع بجزء من كبدها لإنقاذ حياة ابنتها، فظلت لنحو شهرين تجري الفحوصات اللازمة التي تؤكد مطابقة انسجتها لانسجة ابنتها، ولما دنا وقت إجراء العملية طلبت منها المستشفي إحضار موافقة من سفارة بلدها لإجراء هذه العملية، وهنا كانت المأساة إذ اصطدمت بقرار صادر من عدة جهات يمنع إصدار خطاب موافقة من السفارة لإجراء زراعة كلي. وصادف ذلك وجودي في القاهرة، فاتصلوا بي عبر خالة البنت زميلتنا في قناة الخرطوم نهلة سيد، فذهبت إلي المستشار الطبي الرجل الخلوق الدكتور الرشيد الذي وقف عاجزا أمام هذا القرار. ورغم أن قرار المنع كان القصد منه زراعة الكلي، إلا أنه اعتبر شاملا لكل زراعة عضو آخر.

صحيح أن هناك حالات مخزية لسودانيين في مصر يعملون في تجارة الأعضاء، ولكن ضبط هذا يكون بالتمسك بخطاب السفارة وليس منعه، فالسفارة هي الجهة الوحيدة التي يمكن ان تحدد أن هذه زراعة انسانية، أم أنها تجارة أعضاء بشرية، وليس صحيحا ما يقول به البعض بأنه يجب ألا يترك خطاب يشكل وثيقة في يد سلطة مصرية، فما دامت الإجراءات صحيحة، والتبرع ليس فيه شبهة بيع او شراء، فما الحرج في أن يكون هناك مستند في يد وزارة الصحة المصرية. ثم أن إصدار مثل هذا الخطاب يحفظ حقوق السودانيين، وعليه إذا تم إجراء أي عملية نقل عضو بطريقة غير مشروعة يمكن للسفارة أن تقاضى أي مستشفي او طبيب يجري عملية نقل عضو من أي مواطن سوداني دون علمه، أو موافقته، ودون علم وموافقة السفارة.

ونرجو من الأخ الحبيب السفير الإنسان الدكتور عبد المحمود عبد الحليم أن ينظر إلي حالة الطفلة نمارق بعين الإنسان، ويتبني الأمر بنفسه، ويصدر خطاب الموافقة هو شخصيا لإنقاذ حياة هذه الطفلة البريئة، ولاعادة البسمة لوالدتها التي تراها تزداد ذبولا يوما بعد يوم، وهي عاجزة لا تقوي علي فعل شئ.

أما الحديث السالب عن زيادة عدد الذين يسافرون إلي القاهرة للعلاج، وأنهم يقومون بتحويل مبالغ كبيرة بالعملات الأجنبية، فهو حديث أيضا غير موضوعي، فلو وجد هؤلاء العلاج في بلدهم لما سافروا إلي مصر، ولو أنهم وجدوا علاجا أرخص وأنجع من الذي يجدونه في مصر في أي بلد آخر لما أتوا إليها. أما القول بأن نحو ثمانين يموتون كل شهر في مصر، فهل بينهم من يموت لخطأ طبي، وكم تساوي نسبتهم مقارنة بالذين يتعافون ويعودون إلي ديارهم سالمين، ولا داعي بالطبع لمقارنتهم بالذين يموتون في السودان لعدم توفر العلاج.

وأقول في الختام نحن مع توطين العلاج في الداخل، ومع توطين زراعة القمح أيضا، ولكن مثلما أننا نستورد القمح من الخارج حتى نكفي حاجتنا منه، كذلك يستمر العلاج في الخارج للحالات المستعصية، والتي يقرر القومسيون علاجها في الخارج، وتظل القاهرة هي الأقرب السودانيين في كل شئ، وعلي الدولة ان تيسر ذلك وتضبطه، إلي أن يتيسر علاج كل السودانيين داخل بلدهم.

جمال عنقرة

Exit mobile version