أشعر بالغربة في القاهرة وحال الوطن يغني عن السؤال
ابنتي مريم رائدة سياسية وربة منزل ناجحة
أقول لابني عبد الرحمن: (لقد اتسع الخرق على الراتق)
عودتي مربوطة ببعض الطواقي التي ألبسها
أنجح التجارب العالم حالياً لشخصيات في عقدها العاشر
أقول لمبارك الفاضل إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ماء أبقى
للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام يقضي الإمام الصادق المهدي شهر رمضان بالقاهرة بعيداً عن الديار والأنصار وبدا الامام المهدي متحسراً هذه المرة على غربته لدرجة القول إنه يشعر بالغربة في أرض الكنانة (الصيحة) استنطقته في حوار يجمع بين الخاص والعام فخرجت بالتالي …
* رمضان كريم وكيف تقضي رمضان بالقاهرة؟
– وطن رمضان ليس قطرياً بل هو في كل بقاع الأمة، لأن الإسلام وحد أمته في المسائل الشعائرية، فحيثما تكون في أقطارها تسمع الأذان، وتشهد المساجد، وعندما يأتي رمضان تشهد ممارسات متشابهة.
*طعم رمضان بالقاهرة؟
– في كل قطر مذاق تفرضه ثقافته، وبالنسبة للكيانات الدينية توجد خصوصية داخل الخصوصية الوطنية.
* رمضان مع الأنصار والأحباب؟
– بالنسبة لنا في كياننا تحرص هيئة شؤون الأنصار على تأهيل مئات الأئمة لينتشروا في كل بقاع السودان لإمامة المصلين في صلاة العشاء وبعدها صلاة التراويح بالجزء، أي في كل يوم تكون الصلاة بجزء من القرآن وتحرص لجنة مسجد الهجرة بودنوباوي على تزيين المسجد، وكذلك مساجدنا في العاصمة، ويؤم الصلاة في مسجد الهجرة الحبيب بابكر إلياس الذي أعطي صوتاً من مزامير داود ويغلب على تلاوته الخشوع على فنيات التجويد التي يتقنها أيضاً.
طبعاً كان المسجد الرابع، الشهير بمسجد الخليفة، أول تلك المساجد وكان بؤرة انطلاق هذا النشاط الدعوي المخلص، ولكن منذ سطت عليه يد البغي عام 1993م تعطلت فيه معظم منابر أنصار الله، وهو مسجد مبتلى عاش معظم حياته مأسوراً مُحارباً لأنه رمز لجماعة تأبى الانقياد للاحتلال الخارجي أو الداخلي.
*ممارسات تحرص عليها في رمضان؟
– أحرص على إصدار منشور رمضان اتباعاً لسنة الإمام المهدي عليه السلام في هذه المناسبة.
وأحرص على حضور صلاة التروايح في مسجد الهجرة ثم يخرج الجميع زكاة الفطرة وتسلم للجهة المعنية لصرفها لمستحقيها وأحرص على إقامة عدد من دعوات الإفطار للجيران في الملازمين، وللسفراء المعتمدين للسودان، ودعوة ثالثة لوجوه المجتمع السياسي والصحافي. وفي الجمعة اليتيمة، أي آخر جمعة في رمضان يحضر الجميع فطوراً من بيوتهم لمائدة مفتوحة في مسجد الهجرة إحياء لسنة سنها الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه، وسماه فطور المساكين؛ هذا إفطار أحرص على حضوره كل رمضان وفي رمضان تقيم الأمانة العامة لحزب الأمة القومي في دار الأمة فطوراً للمجتمع السياسي، والدبلوماسي، والصحافي، والمدني ومهما كان الطقس حاراً في رمضان داخل السودان أو خارجه أحرص على ممارسة الرياضة دون توقف أنا وأولادي، وكنت في كل خطاباتي لأولادي أثناء الدراسة أوصي: حافظوا على الثلاثة، عباداتكم، ودروسكم، والرياضة هذه الشعائر افتقدها عندما أكون بعيداً من الوطن.
*هل في غيابك تتبع هذه المناشط؟
– أساهم في بعضها مثلاً إصدار منشور رمضان وقد صدر بعنوان( اللهم ارفع عنا هذا العذاب إنا مؤمنون) وفي غيابي تقيم أسرتي نفس دعوات الفطور التقليدية ومنذ رمضان الماضي صرت أركز على ما يشبه الخلوة لمواصلة مهمة كتابة السيرة النبوية بعنوان محمد الإنسان رسول الإنسانية، وسوف أواصل المهمة هذا العام بإذن الله.
*خلال ثلاثة أعوام قضيت عامين من شهر رمضان بالقاهرة ما هو شعورك وأنت بعيد عن الديار والأنصار والأحباب؟
– يلاحظ كثيرون أنني منذ حين أعمل مراجعات تزيل عن الدعوة الأنصارية ما قد يكون علق عليها من ملامح طائفية تبعدها عن تيار الصحوة الإسلامية العام، أفعل ذلك بقراءة تدبر لوثائقها، وقد كتبتُ عدداً من الكتب في هذ الصدد وهو أمر ابتدره الإمام عبد الرحمن الصادق بطرق عملية ونظرية مختلفة، وبشكل يتدبر روح الدعوة وأقوال صاحبها وأفعاله، ويعتبر المهدية دعوة لنداء مستقبلي لا ماضوي، متجدد لا متبدد.
*ما هي الأشواق التي تنتابك وأنت خارج الوطن؟
– الرابطة الأنصارية أشواق وجدانية تجمعني بأهلها إينما كنت، في السجن أو في المنفى، أو في غياب اختياري، فقد تعرضت لكل هذه الابتلاءات سُجنت في عهود الاستبداد حوالي ثمانية أعوام ونصف، وفي العهد المايوي جمع لي السجن والمنفى في القاهرة لمدة عامين وفي العهدين المايوي والحالي غبت اختيارياً ما جملته 10 أعوام كل هذا الغياب كان جغرافياً لا يؤثر في الوصال الوجداني حالة وصفها وصفاً دقيقاً الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في بردته الجديدة:
ما ليْ أَحِنُّ لِمَنْ لَمْ أَلْقَهُمْ أَبَدَا وَيَمْلِكُونَ عَلَيَّ الرُّوحَ والجَسَدَا
وَسُنَّةُ اللهِ في الأحبَابِ أَنَّ لَهُم وَجْهَاً يَزِيدُ وُضُوحَاً كُلَّمَا اْبْتَعَدَا
ولكن هنالك أشواق للوطن الكبير، والوطن الصغير أم درمان، لا تبرح.. أما أشواق الوطن الصغير فتعبر عنها أبيات العبادي رحمه الله:
طريت أم در طريت ناسا وكيف أسلاها وأتناسى؟
أما أشواق الوطن الكبير فخير من عبر عنها شاعر ارتري:
من غادرَ الأرضَ في يومٍ سعيدٍ غدا في سجنِ غربته للنفس سجَّانا
*هل كل الطقوس الرمضانية التي كنت تمارسها بالداخل ستكون موجودة بالخارج؟
– مع أن هنالك شعائر رمضانية خاصة بكل الأقطار الإسلامية لا سيما في القاهرة، لكنني في رمضان الذي قضيته في القاهرة وهذا العام الذي سوف أسافر فيه لبعض البلدان بإذن الله، وسأواصل كتابة السيرة وما يتاح لي من وقت سيكون في مواصلة تلك المهمة، لأنني حريص أن أكمل هذه السيرة في ظرف عام إن شاء الله.
*من يرافق الإمام في شهر رمضان من الذي يقوم بقضاء حوائجه المنزلية؟
– الآن معي بنتي د. مريم الصادق، وهي بالإضافة لدورها السياسي المعلوم ربة منزل مدبرة، وهنالك سيدة اريترية كانت مع جماعتنا منذ الهجرة في تهتدون، ثم زكوها للعمل بمنزلي منذ عام 2000م، وهي الآن مديرة منزلي في القاهرة وهي مسلمة وتؤدي واجباتها بكفاءة عالية.
وعندما أكون في خارج مصر ففي كل قطر هنالك أحباب يقومون بالواجب خير قيام، فأحبابنا عندهم 73 مكتباً في كل الأقطار، وهم يقومون بمهام كثيرة، ومن بينها المهام الاجتماعية ومعهم لا يحوجني شيء، جزاهم الله خيراً.
*حدثنا عن رمضان في بواكير عمرك عن الجزيرة أبا وأم درمان وقبة المهدي؟
– كما هو معلوم فإن الإمام عبد الرحمن، الصبي الجريح الذي قصد الأعداء قتله في الشكابة ضمن خطة المحتل الآثم إبادة جماعية للخلفاء، والأمراء، وأبناء المهدي، خطة دموية بعدها أبرق ونجيت زوجه قائلاً يا للمسرة، قضينا على المهدية، كل الطغاة في كل مكان وزمان يتوهمون أن القضاء على عقيدة أو فكرة مسألة أمنية ولكن الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه استطاع في عشرات محدودة من السنين بعث الدعوة في ثوب جديد. كان لهذا البعث مركزان إحدهما في ود نوباوي، أي دار الهجرة والآخر في الجزيرة أبا. ونحن في طفولتنا كنا حيراناً في خلاوي القرآن. الخلوة هي عبارة عن كشافة تربوية تؤدي دورها لا سيما في رمضان.
* لماذا تقيم بالقاهرة تحديداً وليس المدينة المنورة؟
– كثير من الناس يختارون الجوار في المدينة المنورة وهذا اختيار يشبع أشواقاً روحية، ولكن القاهرة مركز علمي، وإعلامي، ودبلوماسي ممتاز، وفيها مجتمع ديني متعدد الاجتهادات، وفيها مجتمع مدني متطور. وأكثر السودانيين يعتبرونها متنفساً لا يجارى.
*متى يعود الإمام لوطنه؟
– أعود إن شاء الله بعد إكمال مهمتي. لقد خرجت من الوطن تلبية لدعوة السيد ثابو أمبيكي هذا ضمن مجهوده لإحياء حوار خريطة الطريق، وقد بينت له الممكن في هذا المجال. وكما تعلم فإني ألبس خمس طواقي، وبالتالي لدي مهام مرتبطة بأنشطة دولية وإقليمية، ففي الأشهر الثلاثة الماضية زرت أديس أبابا، القاهرة، إسلام أباد، لندن، باريس، جزر المالديف، وعمان؛ وهنالك مهام مرتبطة ببعض الطواقي التي ألبسها، وسأعود إن شاء الله لدى إنجازها. ولكن غيابي لم يؤثر على مهامي بالداخل، فأنا على اتصال بمؤسساتنا، وهي مؤسسات تقودها أجهزة منتخبة لا تتأثر سلباً بغيابي ولدى اجتماعنا في جزر المالديف قبل شهر تفاهمنا، ونتيجة لذلك اقترح د. داود حدايبة، أحد أصدقائنا، أن نرتب لاجتماع طاولة مستديرة لخبراء التنمية في العالم الإسلامي لإعداد نموذج دليل التنمية من منظورنا. هذا نشاط سوف أشارك فيه. كذلك كنت أتحدث عن تكوين مجلس حكماء للعمل من أجل وقف الحروب الدائرة في منطقتنا، وقد تقدم الأخ سمير حباشنة بمبادرة من تسع نقاط تقدم لكل الأطراف المقتتلة، وقد وافقتُ على التوقيع على هذه المذكرة، وأسعى لضم عدد كبير من الأسماء من السودان والمغرب وتونس وباكستان ونيجيريا ومصر، وأتوقع أن يكون لها أثر مهم في الصلح المنشود.
* هل تشعر بالغربة حالياً؟
– نعم أشعر بالغربة ولكن يخفف منها أن السودان وطن بداخلي، أنت تتابع أن ما من حدث فيه إلا ولي فيه حضور أشبه بالمشاهدة.
* هل العمر يسمح بغربة أطول؟
– جاء في الأثر اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً. ابن آدم ليس كالمواشي تقاس قيمته بسنه أنجح قيادات بلداننا في أنجح تجارب ديمقراطية: ميشيل عون في لبنان في العقد التاسع من عمره . والباجي قائد السبسي ومهاتير محمد في تونس وماليزيا في العقد العاشر، قال الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز تقولون الإنسان عندما يشيخ يفقد حماسته العاطفية والفكرية، وأقول أنه لا يشيخ إلا عندما يفقد حماسته العاطفية والفكرية، شعاري الذي أرفعه في وجه الذين يضطهدون الناس قياساً على عمرهم هو من الركاب إلى التراب.
*رسالة في بريد الحكومة؟
-لقد استنفدتم الشعارات التي ظهر للناس جميعاً أنها جعجعة بلا طحين وحال الوطن يغني عن السؤال واستنفدتم تحريك البيادق في الطاولة في العام مرتين ولا جدوى، لأن القرار أحادي وفوقي، المخرج هو الدعوة لملتقى جامع يحدد برنامجاً قومياً للخلاص الوطني تنفذه رئاسة وفاقية. أي محاولة دون ذلك هي محاولة لعلاج السل بقرص أسبرين.
*رسالة لعبد الرحمن الصادق؟
– لم أوافق على تقلدك منصباً سياسياً ولكنك رأيت أنك تستطيع من داخل النظام تحقيق مصلحة وطنية لا يمكن تحقيق مصلحة وطنية إلا في نظام جديد، يا ابني قد اتسع الخرق على الراتق.
ـ رسالة لمبارك الفاضل؟
أما لابن عمي فأقول: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ماء أبقى.
حوار: عبد الرؤوف طه – الهضيبي يس
صحيفة الصيحة