تفجرت موهبته الغنائية وعرفه الناس عبر أشهر أغنياته (أوعك تخلف الميعاد)، (يا جميل يا حلو)، (يا عينيا)، وغيرها دخل الفنان صالح الضي إلى الإذاعة في العام1969م وكانت لجنة الإجازة وقتها تتكون من (العاقب محمد حسن، علاء الدين حمزة) وغيرهما، فغنى صالح (ليالي الحب، الميعاد، يا جميل يا حلو).
شهدت مدينة بارا بولاية شمال كردفان ميلاد صالح الضي في العام 1936م وفي الإبيض عندما بلغ السابعة من عمره درس الابتدائية في عروس الرمال، لكنه اتجه إلى عمل النجارة وصار من أشهر صانعي الأثاث بالمدينة، غير أن رحيل الوالد في العام 1952م من الأسباب التي سارعت برحيله إلى مدينة بورتسودان بعد مضيّه وقتا ليس بالكثير مع شقيقه محمد الضي عازف الكمان المعروف بأم درمان غادر صالح الضي إلى مدينة بورتسودان وقضى عشر سنوات بمدينة بورتسودان منذ العام 1962م حتى ظنه كثير من الناس أنه من أبناء تلك المدينة التي أحبها لدرجة كبيرة.
رحلته إلى مصر
سافر صالح الضي إلى القاهرة كان الرئيس الأسبق نميري قد تسلم مقاليد السلطة بالبلاد، وكان صالح قد ذهب طلبا للدراسة في معهد الموسيقى العالي في مصر، وكان العديد من الفنانين السودانيين قد درسوا بالمعهد، منهم على سبيل المثال العاقب محمد الحسن، سيد خليفة، أحمد المصطفى، محمد عبد الله محمدية، ظل صالح الضي بمصر زمنا طويلا نشطا في كل المحافل، حيث عمل في إذاعة ركن السودان مسؤولا عن قسم الموسيقى فيها وشارك المصريين في (أوبريت الجلاء) السنوي، كما شارك مع فرقة رضا الغنائية الاستعراضية، ورغم هذا النشاط لصالح الضي بالقاهرة إلا أن مأمون عوض أبو زيد استطاع أن يقنعه بضرورة العودة إلى السودان بسبب تهيئة ظروف الإبداع بالداخل، فعاد في العام 1972م يحمل معه أغنياته وسرعان ما سجل للإذاعة منها (دلال)، (الميعاد)، (رسالة)، وبدأ يتفاعل مع المجتمع مشاركاً في أفراحه ومناسباته ويستجيب لكل الدعوات التي تصل اليه من الأهل والأصدقاء غنى الضي الكثير من الأغنيات فاقت الـ (23) أغنية، فغنى لأسحق الحلنقي (شريك حياتي)، (عيش معاي الحب)، (بتتغير)، ولأبو آمنة حامد (نحن ما ناسك)، (اللقاء المستحيل)، (ضاحك المقل)، (سنتحد)، وغنى لمحجوب شريف الشوق والغرور)، ولتاج السر عباس (ثورة شعب)، و(دلال) لبابكر عبد الرحمن، و(سلوان) لخليفة الصادق، كما غنى للشاعر محمد علي أبو قطاطي (فرحة)، (أزهار المحبة).. كما كتب صالح الكثير من الأغنيات الخاصة به ووضع ألحانها بنفسه عاد إلى مصر مرة أخرى في نهاية العام 1984م وفيها لقي ربه في العام 1985م .
أجمل الأغنيات
الشاعر إسحق الحلنقي متحدثا لقناة النيل الأزرق صالح من أقرب الناس إلى نفسي، التقينا في بداية السبعينيات، وكنا لا نفترق أبداً، فما ذهبت إلى مكان إلا كنت بصحبته.. كنا كالتوائم، وقد أرادت الظروف ان نسكن معاً في بيت المال إلى جانب الفنان أبو عركي البخيت، وخليل إسماعيل، والفنان محمد الأمين، واعتبر أغنيته (يا عينيا) من أجمل الأغنيات التي غناها صالح، فقد كان موفقا في اختيار أغنياته وألحانه التي يضعها بنفسه. وعن ميزات صالح الشخصية قال الحلنقي: كان صالح كما الطفل الصغير، صافيا في ضحكته، يجامل الناس لدرجة كبيرة، حتى انه يمكن أن يغني بالمجان في الأعراس. وله مقوله (ماذا يعني أن ننام بمنازلنا، وبإمكاننا إسعاد الناس)، وتحدث الحلنقي طويلا عن الضي وأنه كان سبب معرفته بالراحل العملاق محمد وردي.
تفرد في الأداء
الأستاذ محمد سليمان دخيل الله كتب في حق صالح الضي، قائلا تفرد في طريقة الأداء، وذلك من خلال تعرفه على تفاصيل الغناء والشعر والموسيقى، وقد سكن في البداية مع فنانين كبار كانوا يتطلعون لأن يصبحوا عمالقة في ذلك الزمان، وهم أحمد المصطفى وإبراهيم الكاشف وحسن عطية وإبراهيم عوض، لذلك نجد أن من سكن معهم صالح الضي صاروا أرقاما في الغناء السوداني، وهم خليل إسماعيل وأبوعركي البخيت ومحمد الأمين وإسحق الحلنقي، وما أسعده من سكن وأنه بيت فن وفنانين وكلهم من أصحاب الطرب الأصيل والشجن النبيل، لذلك نجد أن صالح الضي أضاء كثيرا في الغناء السوداني، وتناول الكلمة الرصينة ودوزن عددا من الأغنيات بملكات مبدعين ومن أغنياته (عيش معاي الحب) كلمات رفيقه في السكن الشاعر إسحق الحلنقي: “عيش معاي الحب/ عيش معاي حناني”.
الشوق والغربة
وكانت هذه الأغنية بداية انطلاق الشاعر إسحق الحلنقي، وهي التي ظل الناس يرددونها إلى يومنا هذا لأنها محفورة بذاكرة من ينشدون الطرب الجميل.. وفي نهاية الستينيات شد الرحال الفنان صالح الضي للالتحاق بالمعهد العربي للموسيقى وزامل الفنان سيد خليفة والعازف محمدية. وواصل إنتاجه الغنائي من القاهرة، وكتب ولحن وغنى أجمل أغنياته رسالة: “يا طير يا ماشي لأهلنا/ بسراع وصل رسايلن والشوق ما تنسى يا طير”.
وكلمات أغنية رسالة كلمات بسيطة لكنها عميقة المعاني تحمل معاني الشوق في الغربة وتصور الفنان صالح الضي، وهو يواسي نفسه بهذه الكلمات في بعده عن الأهل والوطن وهذا هو الطرب الذي يخاطب الوجدان. ومن الأغنيات الخالدة في مسيرة الغناء السوداني أغنية الميعاد، وقد كتب كلماتها ولحنها وغناها الفنان صالح الضي، وإن هذه الأغنية تاريخ من الزمن عاشته وكتبها العاشقين في خطابات الحب، لأن فيها صدق الشاعر والفنان: “أوعك تخلف الميعاد/ وتسيب لي الألم”، “وبتتغير أقول ما انت.. أنحنا كمان بنتغير”.
اليوم التالي.