هذه الدنيا على قسوتها أحيانا ؛ وطبع البشر فيها المؤذي احيانا بها جوانب تجعل لهذا مذاقا ؛ خاصة في ذاك النسيج ؛ والطيف غير المرئي الذي يربطنا كسودانيين فيما بيننا ؛ اذكر مديرة فندق في احد رحلاتي وهي تنتحي بي جانبا ؛ استلتني من بين جمع من السودانيين كنا نهدر في (اللوبي) ؛ غير مبالين بالتنبيه المنحوت بثلاث لغات ان اخفضوا صوتكم ! ذهبت اليها ؛ فركت يدين معروقتين على سطح فضول ؛ سيدي هل انتم جميعا سودانيون ؟ قلت متعجبا محتارا نعم ؛ لغرابة الاستغهام ؛ قالت لاحظت ان جوازاتكم مختلفة – كان معنا اخوة من الجنوب ومهاجرين تامركو – وبعضكم حضر اليوم لكنكم تتحدثون وتتألفون كانكم تعرفون بعضكم منذ سنوات ! قلت هذا صحيح ؛ تعارفنا هنا وقد لا نلتقي مرة اخرى ؛
صمتت السيدة ؛ قبل ان تعود بحسرة لترد هل تصدق بعض ابناء جلدتي هنا يتقابلون وهم نزلاء لا يسأل احدهم الاخر تحية الصباح ؛ قلت ما معناه (الناس ظروف ) وعدت اغوص في انس رفاقي ؛ يتطاير الحلف والقسم لان فلان يدعو الناس لافطار واخر منع من استبدال عملة لان احد الحاضرين له عملة محلية ؛ قضينا ايام ؛ تجمرت في ساعات المغادرة بوداع حار وتبادل الهواتف ؛ من ينجع بعيدا يوصي من يعود ؛ ومن يعود يسبغ غطاء الدعاء على من يرجو بلاد الصقيع ؛
طيف يشد البركة على الناس المخلوقين من هذا التراب ؛ ربما هو عين ما جعل الطفل الطيب محمد الشيخ ؛ نسمة في وجه اي سوداني راه بالواقع او في حياة الاسافير ؛ جمله الجميع على محياه النضير بذاك التحيز في المشاعر لطفل ؛ اختبره الله واهله بعلة ؛ سعى الكرام والنبلاء من هذه الامة ، واهله للنجاة به لكن ارادة الله لا عبور فوقها ؛
اليوم نعى الطيب ؛ اصدقكم القول حزنت كانما جزء من كبدي تفتت ؛ لم التقيه مثل فتي مبادرة شباب الحوادث من (شندي) ومثل طبيب مستشفى الخرطوم كلهم مروا من تحت اعيننا ؛ اقصد نحن الذين لا نعرفهم لكن حزننا عليهم كان صادقا وحار ؛ احطناهم بالدعاء وشيعناهم بحسن اليقين في وفاء رب كريم ؛ بعفوه وغفرانه ؛ مثل هؤلاء حزنت وتمزق قلبي وصورة الطفل(الطيب) تعبر نعشا على سطور الناعيين ؛
تدافعت مئات المنشورات ؛ تخبر به وترثيه ؛ دققت في الوجه الملائكي لمست عليه عزم الحياة لكن سطوة المرض كانت قاسية ؛ كلما انظر اليه اسد مجاري الدمع ؛ ارد شهق الاسي ؛ لكني اعود فامسك بتاج الصبر والاحتساب ؛ اعزي نفسه ؛ اقله فقد مضى على امواج من الاصدقاء والمعارف احبوه دون ان يكون لهم معه نسب وآصرة الا ذاك الود الانساني الخلاق الذي يجعل حتى للموت معنى الحياة