بات يستخدم اليوم وعلى نطاق واسع في المجالات الإعلامية والسياسية، مصطلح (توحش السياسة)، وهو توصيف دقيق لما اعترى عالمنا من فوضى سياسية وإعلامية وحروب مسلحة وانتهاك وفرض مواقف بعينها وآراء سياسية واصطراع نفوذ واحتراف إرادات،
فكل هذا جاء على خلفية انهيار الأخلاقية السياسية في العالم، وتلاشي القيم الاجتماعية والثقافية والحضارية التي كانت تتحكم على الأقل في مسارات وسلوك الأنظمة والحكومات، وصار كل شيء قابلاً لمنطق القوة وشريعة الغاب، وهو ما صار عليه النظام العالمي الحالي، ولا تخطئ عين ما يجري في مناطق العالم المختلفة من نزاعات واختلافات وأزمات، كلها تؤكد أن العالم انجرف بسرعة نحو الهاوية والقاع، ولا عاصم من هذه القواصم بعد أن أصبحت القوة الغاشمة والباطشة هي لغة العالم الوحيدة وهو غارق في لجة الأزمات.
> عالم السياسة هو الذي بدأ يكتسب خصائص التوحش، بعد أن كان عالم الاقتصاد والمال في العالم يوصم بالجشع والطمع، خاصة العالم الرأسمالي والشركات الكبرى ورجال المال والأعمال والشركات العابرة للقارات، حتى جاءت الدعوة بعد سنوات من غروب شمس الاشتراكيين الفابيين، بضرورة (أنسنة الرأسمالية)، لكن تحول جشع عالم المال والأعمال إلى ما هو أسوأ منه، عندما أطلت السياسة في السنوات الأخيرة بمخالبها وأنيابها وأظافرها وحوافرها، واكتبست الأنظمة والحكومات خصائص الافتراس لأحط حيوانات الغاب والبر والبحر، فصارت تفتك بالضعيف وتستخدم أقوى ما عندها لتدوس على سواها، ونظرة سريعة إلى أزمات العالم الحالية تكفي لمعرفة إلى أي مدى أوغلنا في وحول التوحش السياسي، كما أن لمحة عجلى ومتعجلة للطريقة التي يعادي بها السياسيون خصومهم ويتخلصون منهم ويزيحونهم من الطريق، تجبرنا على الاقتناع بأن ما هو مخبوء تحت إبط السياسة أخطر بكثير مما هو في أي مجال آخر من مجالات العمل العام.
> نحن على بعد خطوات قليلة في عالمنا من الولوج في البركة المملوءة بأسماك القرش السياسية الجائعة، ففي محيطنا الإقليمي أسماك القرش الصغيرة التي هي أشد خطراً تحالفت مع الفك الأمريكي المفترس، فالرئيس دونالد ترامب القادم من عالم المال والأعمال بكل بشاعة هذا العالم وجشعه، ودخل عالم السياسة ليحيله إلى حلبة دموية من الفتك والحروب ونهش لحوم ضحاياه، هو الذي يقود حفل القتل والجنون العالمية اليوم، ويعطي التوحش السياسي أعلى درجات فورانه وهيجانه وخباله، وخلفه أسماك القرش الصغيرة تتبعه إلى كل نقطة دم ورائحة موت!!
> ولسنا في حاجة إلى من يذكرنا بأن التوحش صار موضة العصر، فالحكومات في أي مستوى كانت في العالم الأول أو الثالث، لم تعد تحفل بشعوبها، فإن تركتهم يعانون شظف العيش والصعوبات الاقتصادية ووطأة الضوائق المعيشية والبطالة واليأس، فلن تتركهم يهنأون بالاستقرار والحرية والكرامة الإنسانية، فإما أن يعيشوا مطأطئ الرؤوس يقبلون كل ما تفعله حكوماتهم أو يواجهون كل شيء من صنوف التسلط المختلفة والاستخزاء والاستخفاف والقهر، وهناك حكومات ابتدعت بالإضافة إلى أجهزتها الأمنية عصابات البلطجة والشوارع لتزيد معدلات العنف وتكشف عن حالة لامتناهية من الوحشية المفرطة.
> ومقابل ذلك تقول بعض الدراسات نتيجة للتحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية مربوطة بالأوضاع الاقتصادية، تقول إن الشعوب نفسها وصلها وباء التوحش، وهي الآن أكثر قابلية للبطش والفوضى العارمة، وهو ما يهدد المجتمعات الآن. لقد فعلت السياسة فعلتها، فبعد أن توحشت هي نقلت عدوى وجرثومة التوحش للشعوب، وهو ما يُنذر بالخطر الداهم!! ولعلها أشراط الساعة!!
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة