كاتب سوداني يحكي مشاهداته في صف وقود بطريقة درامية

ليلة طويلة بدات معي منذ العاشرة مساء ؛ حين التحقت باخر صف طويل وممتد ، وصلت اخره بعد ان انعطفت من الشارع القادم من (لفة الجريف) حين تضطر لخفض راسك من إطارات الطائرات الهابطة بمدرج مطار الخرطوم ، رايت (لساتك) بوينج تمس السطح الاسود الخشن بحذر مثل مسطول يختبر سخونة موقد ؛ هو عادة يجذب اصابعه لكن. الطيار لا يفعل ! اتجهت في ذاك الطريق شرقا لاجده يميل شمالا قليلا يقصد قلعة مامون حميده ؛ ويتفرع منه جنوبا طريق مسفلت ترمقه من عل مبان لهيئة استخبارات الجيش ؛ او مركز ما يخصها ؛ زينته لافتة مهذبة الخط المنحوت بشكل جميل ؛ اكبرت فيه الاشهار للموقع ودلالة العنوان ؛ اكملت سيري حتى اشرفت على الساحة الخضراء ثم انعطفت غربا بعد امتحان عبور في اشارة ضوئية توزع فرص الانعطافات هناك على بعد امتار وجدت اخر الصف فاستقمت فيه ؛ امارس فضول التفرس ؛ الاضواء ؛ وعادة القلق التي تلزم نظري بالسماء ؛

رايت طائرة تاركو ؛ غلب سواد الشعار حمرته ؛ اظن من وشم ملصقه اهتدي بعزم صقر او (حدية) ! شاغلني صبي يعرض شاي وقهوة ؛ اعتذرت بلطف ؛ لست بحاجة لان يكونا على ؛ شح وقود ؛ وتكيف بشاي (ابو تكة) ؛ انصرف الفتي باسما ؛ كان سوقه رغدا من وحي اساريره ؛ اتاني بعده سوداني (ادروب) عليه تلك السمرة التي زادها الظلام. إبهارا ، كان يضع قهوة على جمر يتلظي بنفث الشرر ؛ استدعيته لا لاشرب ؛ اردت بعض انس. الفضول ؛ لم يسترسل معي ؛ احاط اسئلتي بذاك الحذر الشفاف وكره الاسئلة عندهم ؛جرت اصابعي على المذياع ؛ مذيع يقصف من شجر (قوقل) متحدثا عن النساء اللواتي واللوائي يحملن في سن اليأس ؛ تعثر في الهمزات ؛ سمعت صوت ارتطامه بارض اللغة ولعنه اسماء الاشارة خرجت – عن موجة البث – لإذاعة اخرى ؛ المرحوم الفريق احمد عبد الكريم ؛ بذاكرته المتقدة يتحدث عن اللواء شرطة علي متولي بدر اول ضابط شرطة يتقاعد تقاعد طبيعي بدون احالة لسبب سياسي او تغير نظام عن عمر 55 سنة ؛ احسست بالفريق يجل قادته ؛ وقد رسم بورتريه لمتولي كامل التفاصيل حتى جلوسه المعتاد السابعة والنصف في مقعد مكتبه ؛ عرج الحديث على هواري بومدين ونيريري وزيارتهم السودان في العام 1978 ؛ عرج الفريق المهيب على سيرة اللواء على يسن ابراهيم مدير شرطة العاصمة انذاك وخالد حسن عباس وابو القاسم ابراهيم محمد ، قدمهم كرفاق عسكرية وابناء بلد ؛ كنت انصت وادون بعض الملاحظات التي لا غنى لصحفي عنها ؛ انخرطت في التدوين ؛ بوق فظ الصدي يامرني بالتحرك ففعلت مع ومضتين من (الهزر) ان اعذرني ؛ اسف !

حينها كانت نانسي عجاج تغني مشجنة (الله يخليك ويشيل من عمري انا ويديك) تذكرت سيد خليفة ؛ وذونون بشرى ؛ بسيل النص في ذاكرة امبراطور الغناء (منليك) في مكان ما ببري الشريف ؛ اعقبها على ابراهيم اللحو ؛ وصوت الصافرة يمتد بين انا الشاعر وتوهان الدروب ؛ ولا وصلت ليك لا الرجعة. تاني عرفتها ، انتبهت في تطوافي لاذاعة تعرض حديثا عن عبد الله النجيب ؛ شاعر العيون ! قفزت فزعا مع ذكر العيون اذ تذكرت ان لي موعد لنقل عمتي الى اختصاصي عيون ؛ ويلي لقد اخلفت ما يجعلني في صف العقوق ؛ كان صالح الضي يغني ؛ بعد ان افرغ مذيع مثانة الثرثرة الهراء ؛ صدح الضي او اظنه هو ( قلت والله بحبوني ؛ يزاد دلالهم ويسلوني ) اكملت انا ، تاااا تتا لا لا ترم ترم ؛ كنت اهز راسي طربا ؛ انتهت الاغنية الهدية ؛

رجعت لمحطة اخرى ؛ قاص خزعبلي العبارات يتحدث عن جزيرة اسمها المودة ؛ وصوت مؤدي يشخص الاسطر صوتا ؛ فتحدث عن سحابة ترسو على شفاة المدينة يمضغها الاسى الناصل ؛ لم اكن اعرف ان الاسى ينصل مثل بنطال شحيح مؤخرا الصاحب ! عرفت من المؤدي ان بالجزيرة ؛ذباب المدينة يركب الصبابة ؛ منتشيا برغوة الهلع وانا السفر اليها ثقيل يجرجر صواريه ؛ داخل عالم محشو بصمت المآتم البكماء ! تبا قلت من اوقع بي في هذا النص المجوبك ؛ اين الحكاية هنا والقصة ؛ هذه غصة ؛ اكتملت عندي وصائح يات من تلقاء الطلمبة مثل الذي نقل فجيعة بدر لاهل قريش ؛ هوي ها البنزين كمل ! ههههه ضحكت وقلت ؛ الله كريم ولطيف بنا ؛ وخرجت كلما خفق مؤشر الوقود اقنت ؛ رجعنا البيت ؛ 1500 طن يا نوار !

بقلم
محمد حامد جمعة

Exit mobile version