خلال الفترة المعاصرة، يلعب التخدير العام للجسد دوراً أساسياً في تسهيل إجراء العمليات الجراحية. فعن طريق المواد المخدرة التي يتم حقنها داخل الجسم، يفقد المريض وعيه ليتجنب بفضل ذلك الإحساس بالألم طيلة فترة إجراء العملية.
في أثناء ذلك ومن أجل بلوغ هذا الحد من التقدم في مجال التخدير العام للجسد، مرت البشرية بمراحل عديدة سجل خلالها العديد من العلماء والأطباء أسماءهم بأحرف من ذهب. ولعل أبرز هؤلاء الأطباء الياباني هاناوكا سيشو، الذي يعد أول من أجرى عملية جراحية ناجحة باستخدام التخدير العام للجسد.
وعاش سيشو ما بين 1760 و1835. وخلال تلك الفترة، التي كانت ضمن فترة شوغونية توكوغاوا الإقطاعية (والتي لقبت أيضاً بفترة إيدو نسبة إلى عاصمة اليابان حينها إيدو)، اعتمدت اليابان على سياسة انعزالية، حيث منع الأجانب من دخول البلاد. في الأثناء لم تمانع اليابان في استثناء هولندا من هذا الإجراء، حيث سمح للتجار الهولنديين بدخول مدينة ناغازاكي. وقد ساهمت هذه الحركة التجارية في نقل علوم الجراحة الغربية إلى اليابان.
خلال مسيرته العلمية، درس سيشو الطب والجراحة بمدينة كيوتو، وهنالك أبدى إعجابه بالطب الصيني القديم. فضلاً عن ذلك، تابع بشغف الكتابات والأساطير التي كانت تروى قديماً عن طبيب صيني عاش خلال القرن الثاني بعد الميلاد يدعى “هوا توه” مارس الجراحة بعد تخدير مرضاه عن طريق تقديم شراب إليهم مكون من الأعشاب والنبيذ.
ومع بداية فترة عمله كطبيب ومختص في الجراحة، لاحظ سيشو التعب والآلام التي يمر بها المرضى أثناء إجراء العمليات الجراحية، فقرر من خلال سابقة فريدة من نوعها إجراء أبحاث بهدف وضع نوع من الأدوية يساعد المريض على تحمل مشقة خضوعه للعملية الجراحية.
معتمداً على أساطير الصيني هوا توه، تمكن سيشو من صنع دواء مخدر حمل اسم Tsusensan حيث يقدم هذا المخدر على شاكلة شراب ساخن، وما إن يتناوله الإنسان حتى يغط في سبات عميق يستمر ما بين ست ساعات ويوم كامل. وعلى إثر ذلك يتمكن الطبيب من ممارسة العملية دون أن يشعر المريض بأية آلام.
وعقب نجاحه في تطوير هذا المخدر، لم يتردد سيشو في إجراء العديد من العمليات الجراحية الصعبة كبتر الأطراف واستئصال الأورام. وفي سابقة فريدة من نوعها، أجرى هذا الطبيب الياباني المخضرم عمليات لعلاج سرطان الثدي. وعلى حسب ما دوّنه التاريخ كأول عملية جراحية موثقة باستخدام التخدير العام، أجرى سيشو في حدود منتصف تشرين الأول/أكتوبر 1804 عملية جراحية لعلاج امرأة تبلغ من العمر 60 عاماً مصابة بسرطان الثدي.
وخلال تلك الفترة قدم سيشو كمية من شراب Tsusensan لهذه المرأة، وحال فقدانها للوعي أقدم على استئصال جزء من ثديها الأيسر الذي كان الورم السرطاني بارزاً عليه. وقد حققت هذه العملية الجراحية نجاحاً محدوداً، حيث تماثلت المرأة للشفاء خلال الأشهر الأولى التي تلت العملية قبل أن تفارق الحياة خلال السنة التالية.
طابع بريدي ياباني تخليداً لذكرى هاناوكا سيشو
وبفضل هذه العملية التي اعتمدت على التخدير العام، حقق هاناوكا سيشو شهرة في كامل أرجاء اليابان. وتزامناً مع ذلك، لم يتردد الأخير في نقل سر شرابه المخدر إلى عدد من تلاميذه. وخلال وقت شهدت فيه اليابان تطوراً في مجال التخدير، عانى الأوروبيون من آلام لا تحتمل أثناء خضوعهم للعمليات الجراحية. كما سبق اختراع سيشو بداية استخدام الإيثر بالولايات المتحدة الأميركية على يد طبيب الأسنان وليم مورتون عام 1846.
العربية