قبل سبعة أعوام كان شابا مسالما يصف نفسه بالمتدين غير المتطرف، ويعمل في مؤسسة لتنظيم الحج، ولكنه تحول إلى ضحية، ثم إلى متمرد وعميل مزدوج، فقاتل محترف.
عندما شارك خالد في أول مظاهرة بالثورة السورية التي اندلعت في 2011 امتزج شعوره بالحرية بالخوف من نظام الرئيس بشار الأسد.
“أحسسنا بأننا نقوم بشيء لخدمة بلدنا، لجلب الحرية والقدرة على اختيار رئيس آخر غير الأسد. كنا مجموعة صغيرة، لا تتجاوز 25 أو ثلاثين شخصا”.
يروي خالد أن أيا منهم لم يفكر في حمل السلاح خلال الفترة الأولى من الاحتجاجات، “ولم تكن لدينا الشجاعة، وبالرغم من ذلك فإن قوات الأمن اعتقلت الناس وضربتهم”.
وعندما اعتقلته قوات النظام تنقّل بين إدارات الأمن الجنائي والسياسي وأمن الدولة، قبل أن يستضيفه السجن شهرا، حيث تزود بالحقد وأصر على الانتقام.
يحكي خالد أن عنصرا بالأمن الجنائي واظب على تعذيبه وإهانته وأجبره على السجود أمام صورة بشار الأسد، ثم خاطبه قائلا: “ربك سيموت والأسد لن يموت”.
كان عنصر الأمن يعلّقه بالسقف ويجبره على التعري ثم يجلد ظهره بالسوط ويخاطبه قائلا إني أكرهك، أكرهك.. أريدك أن تموت، أتمنى أن تموت على يديّ”.
“لقد عزمت على قتله -لو نجاني الله- أينما حل، حتى لو ذهب إلى دمشق سوف أقتله”.
عندما أطلق سراحه حمل السلاح ضد الحكومة، وساعد 35 جنديا على الانشقاق من القطاع الاحتياطي 17، الذي كان متمركزا في الشمال الشرقي من البلاد.
وللإفراج عن أول رهينة خطفها من عناصر النظام، حدد خالد الفدية بـ15 بندقية كلاشينكوف أو قيمتها نقدا.
إغراء وإيقاع
وفي بعض الأحيان كان يبعث نسوة فاتنات لإغواء رجال الأمن الذين قمعوا الاحتجاجات، يعرضن عليهم الزواج، وبعد الإيقاع بهم يمن عليهم خالد بالحياة مقابل إعلان انشقاقهم على النظام أمام الكاميرا ليضمن أنهم لن يتمكنوا أبدا من خدمة بشار الأسد.
لكن هناك من لم تشمله هذه “الرحمة”؛ إنه الرجل الذي عذّب خالد؛ فعندما أوقع به ذكّره بقوله: عندما تتمكن من مغادرة السجن وتأسرني لا ترحمني”، ويضيف خالد “وذلك ما فعلت” به.
“أخذْته إلى مزرعة بالقرب من السجن المركزي، التي كانت منطقة محررة حينها. قطعت يديه بسكين الجزار، وأخرجت لسانه وقطعته بالمقص، ولكني لم أشف غليلي حتى الآن.. قتلته عندما توسل ذلك. أتيت من أجل الانتقام ولذلك لم أكن خائفا”.
ويضيف “رغم طرق العذاب التي اتبعتها معه، لا أشعر بالندم أو الحزن. على العكس، لو عاد إلى الحياة مجددا لفعلت معه الشيء ذاته”.
يبرر هذا بالقول إنه لم يكن ليلجأ للقتل والتعذيب لو كانت هناك سلطة يشكو لها الناس من الضرب والإذلال في السجن، “ولكن لم يكن هناك أحد يشتكى إليه ولا دولة لتوقفه”.
مهمة خاصة
لاحقا، كان خالد ضمن ستة عناصر أوفدوا في مهمة إلى قاعدة جوية في حلب (شمال سوريا)، حيث علّمهم مدرب فرنسي أساليب القنص بالبنادق والقتل بالمسدسات والأسلحة الصامتة. لقد تعلم هؤلاء الرجال القتل المنهجي واقتياد خصومهم إلى المعتقلات.
كان جنود النظام السوري المعتقلين لدى المسلحين أهدافا يتمرن عليها القناصون الجدد، حيث “يضعونهم في مكان صعب مما يتطلب وجود قناص لضربهم، أو يخرجون مجموعة منهم ويطلبون منك استهداف واحد بعينه دون الآخرين”.
معظم الاغتيالات نفذت من على متن الدراجة النارية، حيث يقودها شخص ويجلس مسلح في الخلف وعندما يكون بجانب سيارة المستهدف يطلق عليه النار ويرسله إلى الموت.
تعلم خالد كيف يتبع ضحاياه، وكيف يصل إلى أؤلئك الذين لا يمكنهم الاقتراب منهم، حيث يتولى أحد رفاقه في القتل تفريق السيارات في الطريق ليتمكن هو لاحقا من ملاحقة أصحابها.
كان سلوكا دمويا لا إنسانيا، ولكنه كان يناسب قادة أحرار الشام بعد منتصف 2013 عندما تقهقر الجيش السوري في الرقة (شمال سوريا)، ويومها أصبح خالد أحد المسؤولين بالمكتب الأمني في المدينة.
صادقتهم وقتلتهم
فقد خالد ثقته في الثورة، وأصبح همه اليومي البحث عن مخرج آمن لنفسه؛ لقد ترك صفوف أحرار الشام التي دربته على القنص، وانتقل إلى جبهة النصرة.
ولكنه ما لبث أن تقلد مسؤولية في الجانب الأكثر قتامة في الصراع السوري، وأصبح وكيلا للموت في تنظيم الدولة الإسلامية.
بيد أن هذا الولاء كان مزيفا؛ ففي مطلع 2014 طرد تنظيم الدولة الثوار من الرقة لتتحول المدينة إلى عاصمة خلافته المزعومة.
“روع المسلحون السكان المدنيين من خلال قطع الرؤوس والصلب والتعذيب. التنظيم كان يصادر ممتلكاتهم ويقمعهم لأسباب تافهة”.
“لو توسلت بالنبي محمد أقاموا عليك حد الردة. إنهم يعاقبون الناس على التقاط الصور واستخدام الموبايل ويسجنونهم على التدخين، وفي الوقت ذاته هم أنفسهم يرتكبون كل شيء: القتل والسرقة والاغتصاب”.
ويتابع “لقد كانوا يتهمون المرأة العفيفة بالزنا ويرجمونها بالحجارة حتى الموت أمام أعين الأطفال”.
تمكن الجهاديون من استقطاب قادة المتمردين عبر النقود ومنحهم المناصب القيادية، وكان خالد واحدا من هؤلاء، حيث عرض عليه شغل منصب رئيس مكتب أمني يمارس سلطاته على مقاتلين من التنظيم.
فهم أن الرفض يعني صدور شهادة وفاته، لذلك توصل إلى تسوية مرعبة. ويشرح ذلك بالقول “قبلت ولكن باتفاقية مع القيادي بالنصرة أبي العباس تقضي بأن أكون عميلا مزدوجا، فأظهرت لتنظيم الدولة وجه الصداقة، ولكنني كنت أخطف عناصرهم سرا وأستجوبهم ثم أقتلهم. وأول من خطفت كان سوريًّا يقود معسكرا تدريبيا للتنظيم”.
كنت أسرّب للتنظيم ما يريد أبو العباس تسريبه لهم. بعض المعلومات كانت صحيحة حتى أحصل على ثقتهم، لكني كنت في المقابل أنتزع أسرارهم”.
بدا قرار خالد كأنه رغبة في الموت، ولكن الآخرين هم الذين ماتوا، حيث يروي أنه قتل 16 من تنظيم الدولة بإطلاق النار عليهم في منازلهم بمسدسات كاتمة للصوت”.
الخيانة والبيع
يقول خالد إن تنظيم الدولة باع دينه بالمال، وخان أحرار الشام والجيش السوري الحر الذي كان أول من طرد القوات الحكومية من مدينة الرقة.
ويسرد كيف قتل “مفتيا شرعيا” بمدينة الباب “طرقت الباب وعندما فتحه صوبت السلاح نحو وجهه على الفور، بدأت زوجته تصرخ، كان يعلم أني قدمت لقتله”.
قبل أن أتلفّظ خاطبني قائلا: ماذا تريد؟ المال، هذه نقودي لك منها ما أردت. أجبته: لا، أنا لا أريد المال، وأغلقت غرفة أخرى على زوجته، ثم قال: خذ المال، وإذا أردت زوجتي يمكنك أن …، ولكن لا تقتلني. ما قاله شجعني على قتله”.
لقد أحب أمراء التنظيم في الرقة “التجديد”، وبشكل روتيني كانوا يقتلون المرتشين لاستبدالهم بدماء جديدة، وأحيانا يلقون باللوم على طائرات التحالف الدولي..
وبعد شهر من توليه منصبه في التنظيم بات القاتل خالد موقنا بأنهم سيقتلونه قريبا، لذلك فرّ إلى دير الزور، ومنها إلى تركيا.
وعندما سئل عما إذا كان لديه شعور بالأسف أو يعتقد بأنه قد يمثل يوما ما أمام القضاء؛ رد خالد ببساطة “كل ما فكرت فيه هو كيفية الهرب والبقاء على قيد الحياة”.
“ما فعلته لم يكن جريمة، عندما تشاهد شخصا يصوب السلاح نحو والدك، ويقتل أخاك أو أقاربك لا يمكنك أن تحافظ على هدوئك، ولا يمكن لأي قوة أن توقفك.. ما عملته كان دفاعا عن النفس”.
“لقد قتلت أكثر من مئة شخص في معارك ضد النظام وتنظيم الدولة، ولست آسفا على ذلك. لم أقتل مدنيا قط ولا شخصا بريئا”.
ويضيف “عندما أنظر إلى المرآة أحسبني أميرا. أنام ملء جفوني طوال الليل، لأن كل من طُلب مني قتلهم كانوا يستحقون الموت”.
ثم يختم حديثه لـ”بي بي سي” قائلا “عندما غادرت سوريا أصبحت مدنيا من جديد. ولو خاطبني شخص الآن بأي عبارة نابية، سأرد عليه، كما تشاء”.
المصدر : الجزيرة