قبل عام من اليوم خاطب ضابط سوداني جنوده المتوجهين من مدينة صامطة قرب الحدود السعودية أثناء استعدادهم للتحرك نحو “ميدي” اليمنية بقوله إنه لن يعود إلى ديحمة (قرية حدودية) إلا إذا تحررت ميدي من مليشيات الحوثي الإيرانية.
كلمات الضابط السوداني الصادقة التي خرجت من قلب مقاتل عربي مسلم، جاء من إفريقيا ليشارك أشقاءه في التحالف العربي، ويقدم المساندة الواجبة للدفاع عن الشرعية اليمنية، ألهبت حماس الجميع.. وكانت بداية إحدى القصص التي سيرويها من شاركوها لأجيال قادمة بكثير من الفخر والاعتزاز.
وبدأت معارك تحرير ميدي بوصفها منطقة مهمة وفق خطط عسكرية مزمنة، وكان للجيش السوداني دورٌ محوريٌّ في طرد المليشيات من مربعات ميدي ومزارعها وصحاريها المترامية. وبعد معركة كبيرة، سقط فيها عشرات الحوثيين، وفر البقية في مربعات مزارع النسيم، ظهر الجندي السوداني ولكن هذه المرة من داخل “ميدي”.
وفي الظهور الثاني كان الجندي السوداني الذي أنهى معركة حاسمة يحتفل مع بقية الرجال الشجعان مستخدمًا آلة موسيقية مصنوعة باليد؛ ليعزف لحنًا، ترنم به أمام رفاقه: “الحوثي هرب يا جماعة.. الحوثي هرب.. جواه خوف.. الحوثي الحوثي هرب”.
القصة لم تنتهٍ؛ فخلال الشهر التالي زف ضابط سوداني لليمنيين والعالم أجمع بشرى تحرير مدينة ميدي بالكامل قائلاً: “ها هي قواتنا تحط رحالها في ميدي التي تحررت بالكامل بمشاركة قوات التحالف. وهذا النصر ردٌّ على كل من يحاول التشكيك في قدرات الجيش السوداني”.
ظهر ثلاثة مقاتلين سودانيين، هم ضابطان وجندي، في ثلاثة مشاهد مختلفة قبل المعركة ووسط المعركة وفي نهاية المعركة والتحرير، لكن موقفهم كان واحدًا: الإيمان بقضية عادلة لتخليص اليمنيين من عدوان مليشيات إيران استجابة لنداء الأخوَّة والإسلام، وانتصارًا لقيم ومبادئ إنسانية، تستدعي نصرة المظلوم والمستجير.
ولم يكن الحضور السوداني في اليمن حديثًا أو مرتبطًا فقط بالحرب ضد المليشيات الحوثية – الإيرانية بل إن أبناء النيل كانوا بعد ثورة سبتمبر المجيدة وإعلان الجمهورية من أوائل من ساهموا في بناء التعليم في اليمن من خلال عملهم معلمين وخبراء وإداريين في قطاع التعليم؛ ليشكلوا مع المصريين النواة الأولى للتعليم الحديث في اليمن.
وفي لفتات جميلة، تتقزم أمام وصفها الكلمات، يلتقي الضباط السودانيون في الجبهات كثيرًا من تلاميذهم؛ ليعيدوا تبادل ذكريات سنين مضت.. وشاء الله أن تعود لتسجل على صفحات التاريخ أنصع صورة للجيش السوداني الذي يختلط دمه بدم اليمني على تراب اليمن السعيد الذي جعله الحوثيون “حزينًا”.
مواقف الجيش السوداني على الأرض هي طبعًا امتداد لمواقف شعب السودان الأصيل، وموقف فخامة رئيسه وقائده البشير القادم أيضًا من قلب المؤسسة العسكرية؛ إذ شكل تحركه للمشاركة في عاصفة الحزم والقوات المشتركة لنصرة اليمن، وإنهاء المؤامرة الإيرانية، تأكيدًا لقوميته وامتثاله لتعاليم الإسلام وأخلاقيات العرب وشهامتهم.
شراسة الجندي السوداني وغيرته تسببتا في إثارة الذعر والوجع الذي تعايشه المليشيات الحوثية – الإيرانية، التي خرج قادتها كثيرًا، وآخرهم محمد الحوثي، مطالبًا السودان بسحب جنوده من اليمن.. وفي ذلك دلالات لا تخفى.
بقلم:عبدالله البارقي.
صحيفة سبق الالكترونية.