نحن والجودية الدولية

كلما جاء حديث عن دور المجتمع الدولي في الشأن السوداني المتعلق بالحرب والسلام، برزت أصواتٌ تنادي بضرورة حل مشكلاتنا بأنفسنا بعيداً عن تدخل المجتمع الدولي . هذه الدعوة وبما تحمله من نبل، لكنها مثالية لا مكان لها في عالم اليوم، خاصةً في دولةٍ مثل السودان تعيش نزاعات داخلية وتعقيدات سياسية تتباين وتيرتها مع دورة انقلاب عسكري – حكومة ديموقراطية، التي ظلت تلازم البلاد منذ اعلان استقلالها.

منذ السادس والعشرين من اكتوبر 1945م ، تاريخ إجازة ميثاق الأمم المتحدة، من قبل الدول الخمسة الأعضاء بمجلس الأمن ، صارت الهيئة هي النادي الذي يضم دول العالم حتى بلغت 193 دولة بعد استقلال جنوب السودان ، وأوكلت لمجلس الأمن، أحد أقوى أجهزتها، مهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين، والعمل على حل المشكلات الدولية وغيرها من المهام. وبعد تعهد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بقبول قرارات المجلس، أصبحت هذه القرارات ملزمة وواجبة النفاذ على كل الدول الأعضاء.

من وقتها، أصبحت الهيئة الدولية تتدخل في النزاعات حول العالم، بدوافع ظاهرها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وباطنها الحفاظ على مراكز القوى التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية ، ومصالح الدول الكبرى.

( 2 )

أفادت الولايات المتحدة الأمريكية من وضعها المتميز بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أيما استفادة، ولا غرو أن أول من ذكر مسمى الأمم المتحدة هو الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت قبل ثلاثة أعوام من نهاية الحرب، فأصبحت أمريكا إحدي القطبين العالميين، ثم القوة الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

في مقالٍ سابقٍ للكاتبة بعنوان ( الامبريالية العالمية في مرحلة تنظيف الشوارع من الجثث) ورد الحديث عن كتاب (الامبريالية في القرن الحادي والعشرين: تحديث لنظرية لينين بعد قرن) الصادر في العام 2005 باللغة الإنجليزية، في مدينة سان فرانسيسكو الامريكية عن حزب الاشتراكية والتحرير ، وقد نشر الدكتور مسعد عربيد قراءة للكتاب بصحيفة الأخبار. إذ يذهب مؤلفو الكتاب، وفقاً لمسعد، إلى ان الامبرياليين الامريكيين قد نظَّروا منذ تسعينات القرن الماضي لـ (القرن الامريكي الجديد) لتحقيق مشروع الهيمنة الامريكية المطلقة عبر إختلاق ذرائع للحروب تبدو اكثر وطنية وانسانية ونبلاً، مثل الامن القومي الامريكي والسلام العالمي والتدخل الانساني والاطاحة بالدكتاتوريات الشريرة والحرب على الإرهاب وغيرها، وأن مفهوم الحرب الدائمة يحظى بموافقة الحزبين الامريكيين، الجمهوري والديمقراطي.

كذلك أوردتُ في المقال أن ( في حالة السودان فإنه يُصنف ضمن رعاة الإرهاب والديكتاتوريات الشريرة، لذلك بدأ التعامل معه منذ العام ١٩٩٣ تاريخ وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفق معايير الخارجية الأمريكية، تلى ذلك عدة قرارات من المؤسسات الدولية والأمريكية فرضت عليه عقوبات اقتصادية وتجارية وأخرى تتعلق بجرائم ضد الإنسانية . وفي بيان الخارجية الامريكية أعلن الغاء العقوبات الإقتصادية ، كان تعاون السودان مع الولايات المتحدة الامريكية في معالجة الصراعات الاقليمية ومهددات الارهاب أحد أسباب امريكا لإلغاء العقوبات).

( 3 )

السودان هو إحدى دول المنظومة الدولية التي تخضع لتدخلاتها، وفي غالبها تأتي لتحقق مصالح الدول الكبرى، إذ نعيش في عالم اليوم في ظل جودية دولية تتأثر بها دولٌ تقع تحت رحمة أنظمة غير راشدة، ونخب سياسية لم تفلح في التأسيس لبلدٍ تحكمه معايير الديموقراطية والحقوق. لذلك عندما يطلق النظام يده في تقتيل المواطنين وحرق قراهم بجبل مرة ، ننتظر تدخل المجتمع الدولي، ونحبس أنفاسنا في انتظار إرتفاع تيرمومتر القلق الأمريكي، الذي يعني أن قوات اليوناميد ستتحرك لموقع المعارك، وأن المنظمات الإنسانية سيُسمح لها بالوصول إلى هناك لإنقاذ الضحايا الذين لاذوا بسفوح الجبال وبواطن الكراكير طلباً للنجاة.

هذا هو واقعنا، غير مشرِّف نعم، لا يتسق مع حقوقنا الطبيعية في الحياة والأمان والعيش الكريم نعم ، نحن ننتظر تدخل المجتمع الدولي ومنظماته عندما تُنتهك حقوق السياسيين بالإعتقال، وعندما يتم التضييق على الحريات الدينية بهدم الكنائيس.

طريقنا الوحيد للإنعتاق من كل ذلك هو إقامة دولة الديموقراطية والمواطنة والحقوق، بحيث لا نصبح دولةً تحت استعمارين، استعمار نظام الإنقاذ، واستعمار المجتمع الدولي ودوله الكبرى.

بقلم :سلمى التيجاني.
سودان تربيون.

Exit mobile version