لم أسمع بقرار وزارة الاستثمار القاضي بتحديد مئة مليون دولار كحد أدنى للمستثمر لكي يسمح له بالاستثمار في السودان إلا من عمود الأستاذ عبدالباقي الظافر الذي نسب الخبر إلى السيد مبارك الفاضل وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء.
إنه ورب الكعبة تطبيق حرفي للمثل الشعبي الساخر : (عايرة وادوها سوط) والذي يحكي عن حال حمارة مصابة بحالة هياج مجنون يجعلها تجري باقصى طاقتها ثم يقوم صاحبها بعد ذلك بضربها بالسوط حتى تزيد من سرعتها.
معقول يا سيد مبارك تتخذ قراراً مثل هذا يقتل (حبة) الاستثمار التي غدت أمراً نادراً في ظل المناخ غير المواتي السائد الآن والقبضة الغريبة على الدولار بل على السيولة المحلية التي حرمت الناس من ودائعهم وأموالهم المودعة لدى البنوك وأخشى أن تضطر ما بقي من المستثمرين السودانيين إلى النجاة بجلودهم فراراً إلى أرض الله الواسعة بعيداً عن وطنهم المنكوب ، بحثاً عن ظروف أفضل ومناخ أكثر جذباً للاستثمار؟!
هل يعقل أن يصل الحال ببلادنا هذه الدرجة من عدم المؤسسية التي جعلت مؤسسات الدولة تعيش في جزر معزولة يحق لكل منها أو لوزيرها أن يفعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب؟!
أرأيتم (الخرمجة) التي حدثت في وزارة الخارجية والتي خرج منها أفضل وزرائنا مغاضباً ثم تصريح أحد كبار موظفي بنك السودان الذي ملأ الصحف بالمانشيتات الحمراء المكذبة لغندور ثم نفي تصريحه من محافظ بنك السودان في اليوم التالي تأكيداً لصحة ما أدلى به غندور حول الحال البائس الذي تعاني منه وزارته وسفراؤه خارج الوطن المازوم؟
ماذا دهانا أيها الناس وهل نحن بين يدي انهيار شامل؟ خبرونا بربكم فما عادت (مرارتنا) تحتمل (فقعاً) أكثر !
الدولار رغم (اللجام) المربوط بإحكام حول عنق الجنيه السوداني والسلاسل الحديدية التي تُقيّد رجليه بلغ 40 جنيه فماذا بربكم سيحدث إن أطلق سراح عملتنا الوطنية ومنح الناس الحق في سحب أموالهم؟!
بات الناس يتندرون حول أي صفوف الوقود أطول لكي يدخل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
أعود لقرار وزارة الاستثمار لأتساءل هل يعقل أن يحدث ذلك في بلاد تعاني من تخلف مريع وأزمة اقتصادية طاحنة وظروف منفرة للمستثمرين وتضييق على حقهم في تحويل أموالهم بينما كندا المتقدمة تمنح المستثمرين الإقامة الدائمة تمهيداً للجنسية لمجرد فتح حساب في أي من مصارفها بمبلغ (25) ألف دولار وماليزيا الجميلة تعطي المستثمر أياً كان وزنه وقدره فرصاً أكبر وأوسع ودول العالم أجمع تفتح ذراعيها لأصحاب المال قل أو كثر ؟!
وبالرغم من ذلك ، وفي بيئة السودان الطاردة ، يطلع علينا الوزير مبارك الفاضل بفرض المزيد من القيود على المستثمرين لم يجرؤ ولن يقوى أقوى اقتصادات العالم على الإتيان بمعشارها!
استعير تعبير جاري في (الصيحة) الظافر الذي قال إن أكبر تحديات الحكومة تكمن في (النيران الصديقة) بعد أن قال : إن هناك أيدٍ تريد تقويض المعبد من الداخل مذكراً بأن بعض (سدنة) مايو عندما سقطت برروا وجودهم في صفوفها بأنهم كانوا يحاربونها من الداخل بعد أن عجزوا عن القضاء عليها من خارجها!
لا اتهم صديقي مبارك الفاضل الذي لا أصدق أنه يتآمر على حكومته أو قل على نفسه لكني أود أن أسأل : هل أجيز هذا القرار من القطاع الاقتصادي أم أنه بصفته رئيسه ونائب رئيس الوزراء مخول بفعل ما يشاء؟!
إنني لأرجو في ظل الفوضى والضعف الشديد الذي يضرب الأداء الاقتصادي أن تُعجِّل قيادة الدولة بإنقاذ هذا القطاع من خلال تغيير عاجل في الطاقم الاقتصادي فوالله العظيم لم أشعر بأن الأرض تميد من تحت أقدام النظام الحاكم كما أشعر الآن.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة