عجبتُ لبعض مسوّقي طه عثمان حتى يعود إلى سابق عهده، بل ليعود – في غفلة من الزمان – وزيراً لخارجية السودان، رغم كل ما فعل في حق وطنه وشعبه مما صبر عليه الرئيس متجاوزاً عن كثير من (خرمجته) وخطاياه.
ما كنتُ أرغب في التطرّق إلى هذا الأمر لولا إصرار أحدهم – في إطار (شلة) علاقات عامة – على تسويق طه عثمان مرة تلو مرة ولولا خطورة ما سعى إليه ذلك الكاتِب لِما أرقت مدادي في الفارغة!
أوشك صاحبنا إن يقول إن طه هو البلسم الشافي لكل أزمات البلاد التي ما استفحلت في رأيه إلا بعد مغادرة (عصا طه) التي تملك قدرة (ربانية) تُحيل المستحيل ميسوراً، مما جعل صاحبنا يرشحه وزيراً للخارجية (دفعة واحدة) بديلاً لبروف غندور الذي أكاد أجزم أن الرجل أقل من أن يكون سكرتيراً أو مديراً لمكتبه.
يُذكر أن طه أخذ معه مترجماً إلى أمريكا رغم امتلاء سفارة السودان بواشنطون بمن يجيدون الإنجليزية كأهلها، وهذه ليست المشكلة الكبرى بالرغم من أن معرفة لغة التواصل الأولى في عالم اليوم تعتبر فريضة حتى للسكرتير الثالث في الخارجية.
ولكن هل تعجز طه الإنجليزية فقط، أم إن العجز يُحيط به من كل جانب، حتى في لغته الأم كما في مختلف المهارات المُؤهِّلة لأن يكون الرجل شيئاً مذكوراً؟ مما يُثير العجب أنه بالرغم من ذلك، فقد بلغت الجرأة بمسوّق طه عثمان درجة منحه صفة (من أهل الفعل والقدرات الاستثنائية)، رغم أنه من كل ذلك براء، فقد تسلّق الرجل في غفلة من الزمان إلى مواقع لا تشبه أمثاله إلا في بلاد اختلّت فيها معايير الاختيار للوظيفة العامة، وترنَّحت بين الجهة والقبيلة والإثنية والحب والبُغض والاستلطاف (واللايك والديس لايك)، أما الكفاءة، فقد رحلت إلى الخلف باعتبارها (كائناً غريباً) لا يُؤبَه به، فنحن في بلاد أبدع شاعرها وأحسن حين وصفها بقوله: المال عند بخيله والسيف عند جبانه، أما (الحفر) والحسد وربما (الكادوك) فقد غدت من (عدة الشغل) في بلاد ابتُليت بأنواع غريبة من شياطين الإنس والجن!
قال صاحبُنا مرشِّحاً طه إن (ثغرة الخارجية تبحث عن وزير من أهل الفعل والقدرات الاستثنائية في التواصل مع العالم الخارجي).. سبحان الله! أي قُدرات تلك التي تجعل طه عثمان يتواصل مع العالم الخارجي، وهو من لم نسمعه يوماً متحدثًا في إذاعة أو فضائية في أي برنامج حواري أو سياسي أو نراه مفاوضاً أو قائداً أو غير ذلك بقدر ما سمعناه (مُوَرجِغاً) في الونسات (والشمارات) يهرف بما يعرف وما لا يعرف ولا يُحسن حتى إمساك لسانه.. رجل دفع به الحظ والتخبّط وسوء الإدارة إلى مواقع لا تليق بأمثاله فصعد في غفلة من الزمان، بل طار (عديييل) ثم سقط إلى حيث ينبغي أن يكون!
قابلني، قبل إعفائه من منصب مدير مكتب الرئيس بنحو عام، في مناسبة زواج ابن اخي، وكان وقتها قد مُنح الجنسية السعودية ليقوم بدور عجيب ومريب لم يئن الأوان لكشفه، فجاءني ثائراً وسألني: (هل أنت قلت إنه لا يحق لي أن آخد الجنسية السعودية)؟ كنت قبل ذلك قد كتبتُ في أحد قروبات الواتساب حين تداول المتداخلون حول جنسيته السعودية، إنه لا يجوز لطه أن يحصل على تلك الجنسية وهو مدير لمكاتب الرئيس، لأن في ذلك تضارُب مصلحة (conflict of interest) وبلغه الخبر فسألني فقلت له: نعم، لا يجوز لك ذلك، فقال لي : ذلك لم يحدث (أي أنه لم ينل الجنسية السعودية)، ولكن إذا حدث (ما فيها حاجة)، فقلت له: فيها ألف حاجة.. ماذا لو تعارضت المصلحة بين الجنسيتين، أين يكون ولاؤك وأنت تدير مكتب الرئيس وتجادلنا وتعالت أصواتنا !
صدقوني أنه في أي بلد آخر غير سودان العجائب كان ينبغي أن يتبع إعفاءه إجراءات عقابية أخرى في حقه ولكن!!!
رغم ما حدث، فإن هناك من يريد طه وزيراً لخارجية السودان رغم أنه يعمل في الديوان الملكي السعودي!!! (تطير عيشة السودان الذي يتولى أمره كل من هب ودب مهما أحدث في حقه وحق شعبه وكأن نساء السودان قد عقمن عن الولادة!
أظن بل أعلم أن طه انتهى دوره في السعودية، ويبحث عن العودة، كما صرّح مؤخراً، وذلك بعد أن أنجز مهمة معيّنة في السعودية لا تحتاج إلى قدرات بقدر ما تحتاج إلى (مرسال) أدى ما طُلب منه في إطار صفقة القرن، ولا أزيد!.. سيما وأن السعودية تعج بالآلاف من حملة الشهادات العليا، وهم أهل ثقة أكثر منه لدى ولاة الأمر في ذلك البلد.
ثم إني أعجب لصاحبنا الذي قارن بين صلاح قوش وطه عثمان، فقال إنه كما أن قوش أعفي وعاد إلى موقعه، فإن طه عثمان جدير بالعودة (وكمان) في منصب أعلى من قوش بالرغم من انعدام المقارنة، من حيث القدرات، بين قوش وطه!
وسأل صاحبنا أو قل صاحب طه: فهل كان طه عثمان أيام كان قريباً من الرئيس (يُقدّم حلولاً لمشاكل البلاد، أم كان شخصاً خاملاً بلا مبادرات ولا عطاء؟!
أجيب الرجل فأقول إن موقعه ما كان يُتيح له ما تتوهّم من تقديم الحلول والمبادرات، ثم إن قدراته أقصر وأضعف من أن تؤهّله لتقديم مبادرات، إلا أن يُبلّغ رئيسه بخبر وفاة أو مناسبة عقد قران!
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة