الأوقات والأماكن لها أهميتها في الشريعة الإسلامية .. فهناك عبادات وطاعات ترتبط بوقت معين، وأخرى تتم في أماكن محددة .. ولكن هل تعلم أيضًا أن تلك الأعمال والطاعات التي تؤديها طوال العام ترفع إلى الله في أوقات محددة من العام والاسبوع واليوم؟!
تعرف على تلك الأوقات حتى تكون مستعدًا ليرفع عملك إلى الله سبحانه وتعالى وأنت في حالة طاعة لأن ذلك أرجى للقبول وغفران الذنوب وجبر التقصير، ولنا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة في ذلك، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله أكثر ما يصوم تطوعًا في شهر شعبان، وعلل ذلك بقوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بقوله: “إنَّه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، وأحب أن يرفع عملي إلى الله وأنا صائم”.
وقال أهل العلم إن رَفْعَ الأعمال إلى رب العالمينَ يكون في ثلاثة أوقات:
شهر شعبان
إن الأعمال ترفع إليه في شهر “شعبان” خاصَّةً، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شهر شعبان: “إنَّه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى”.
ورفع أعمال العبد إلى الله وهو صائم أدعى إلى القبول عند الله وأحب إليه سبحانه وتعالى، وهو ما يسعى إليه المؤمنونَ تَأَسِّيًا واقتداءً بالنبي – صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم.
وقد ذكر بعض العلماء: أن رجب هو شهر الزرع، وشعبان هو شهر السقيا، ورمضان هو شهر الحصاد، ولا يحصد الإنسان إلا ما زرع.
وقد نبهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن شهر شعبان شهر يَغفلُ فيه الناس، فقال “ذلك شهر يغفل الناس عنه”، وإذا غفل الناس عن شعبان، لا يجب أن يغفل عنه المؤمنون، لأن المؤمن يجب أن يكون دائمًا في إقبال على الله سبحانه وتعالى، لا ينقطع عن ذكره وعبادته وطاعته، حتى إذا رفعت الأعمال إلى الله، ترفع وهو في حال طاعة ووصل مع الله عز وجل فتكون أرجى في القبول وغفران ما قد يكتنفها من ذنوب وتقصير، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
وقت العصر والفجر
ويُرفع إليه سبحانه وتعالى عملُ الليل قبل عمل النَّهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ” يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم ( وهم ) يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون”.
يوما الاثنين والخميس
وترفع إليه يوم “الاثنين” و”الخميس” من كل أسبوع، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة ، فلا يقبل عمل قاطع رحم”.
والحكمة من تحديد هذه الأوقات لرفع الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى فيها تنبيه الناس إلى أهمية هذه الأوقات وتشجيعهم على إحيائها بالطاعة حتى ترفع أعمالهم وهم على حال الطاعة فتجبر ما نقص منها أو تكون سببًا لغفران الله لهم.
فشهر شعبان أخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه: “شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان”، فلعل الله أراد بذلك تنبيه الناس إلى هذا الشهر لإحيائه بالطاعات وكذلك لشحذ هممهم قبل دخول شهر رمضان.
أما عن رفع الأعمال يومي الاثنين والخميس فقد ذكر الإمام المناوي في كتابه “فيض القدير” قولًا للحليمي يبين الحكمة من ذلك فيقول: “في عرض الأعمال يحتمل أن الملائكة الموكلين بأعمال بني آدم يتناوبون فيقيم معهم فريق من الإثنين إلى الخميس ثم يعرضون، وفريق من الخميس إلى الإثنين. وهكذا كلما عرج فريق قرأ ما كتب في موقفه من السماء فيكون ذلك عرضا في الصورة، وهو سبحانه غني عن عرضهم ونسخهم وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده منهم”.
وعن الحكمة من رفع الأعمال وقت العصر والفجر أن هذين الوقتين من الأوقات المهجورة في اليوم من قبل كثير من الناس حيث يخلدون للنوم والراحة والكسل أحيانًا، فيكون ذكر رفع الأعمال فيهما حافزًا للناس على طاعة الله فيهما.
وعن ذلك قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله : “إنَّ الأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار, فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله، وَاَللَّه أَعْلَم، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالاهْتِمَام بِهِمَا – يعني صلاتي الصبح والعصر -“.
وفي حاشية سنن أبي داود قال ابن القيم: “عمل العام يرفع في شعبان؛ كما أخبر به الصادق المصدوق ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار. فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل”.
مصراوي