يتفقد آثار الحريق، يقلّب كومات من بقايا الملابس المحترقة، ويجيب بلطف على أسئلة الفضوليّين المكرّرة وهو يبشّ في وجوههم بابتسامته المعهودة: “لا، للأسف لا يمكنني الانتفاع بأي شيء هنا، لقد أتى الحريق على كل شيء”!.
سيدي محمد ولد خطري بابا، شابٌّ موريتاني من مواليد 1993م ذو تعليم مخضرم، جمع بين المحاظر التقليدية والتعليم النظامي.. وختم مسيرته الدراسية بالحصول على إجازة قرآنية وأخرى في تخصّص القانون الخاص ليبدأ رحلة البحث عن العمل في بلدٍ يشكو شبابُه البطالة الخانقة.
بحثُ ولد خطري بابا في احتياجات سوق العمل بمسقط رأسه بمدينة آمرج في ولاية الحوض الشرقي، قاده إلى افتتاح مغسلة عصرية هي الأولى من نوعها وسط سوق المدينة، كلفه تجهيزُها الكثيرَ واستأجر لها عاملا يساعده حتى تكون خدماته على أفضل نحوٍ ممكن.
ثقة الزبناء وإقبالهم وتشجيعُ الأهل والأصدقاء رفعَ من معنويات ولد خطري بابا، ما فتح أمامه آفاقًا أرحب لمتابعة العمل في مهنة التجارة التي ولجها للتوّ، وهو الذي كان يمنّي نفسه بالوظائف الحكومية أيام مقاعد الدراسة.
إلا أن الشاب الجامعي ما لبث غير يسير حتى كان على موعد فارق في مسيرته التجارية التي كان يخطو خطواتها الأولى.. موعدٌ حوّل كل أملاكه إلى رماد تذروه الرياح، فتبدّل استقبال الزبناء إلى استدعاءات فرقة الدرك وهي تعمل على استكمال محضر تحقيق حول ما حدث.
يقول ولد خطري بابا متحدثا لوكالة الأخبار: “قبيل منتصف ليل الثلاثاء 24 إبريل 2018 اتصل بي أحدهم ليبلغني بأن حريقًا يشتعل في المغسلة.. وصلت؛ فإذا بعناصر الدرك والحرس وحاكم المقاطعة قد سبقوني لبدء محاولات إطفاء الحريق يساعدهم بعض الجيران والمارة، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل”.
ملابس الزبناء، غسّالتان، كاويات، طاولاتٌ، مروحة، جهاز كمبيوتر، مكتبة صغيرة، ومبلغ 10.000 أوقية.. تلك أبرز محتويات المغسلة التي ودّعها ولد خطري بابا بآخر نظرة مساء الاثنين 23 إبريل وهو يوصد أبواب محله التجاري؛ لتشهد طبقة الطلاء الأسود الجديدة بجدران المحلّ الداخلية على قوة الحريق الذي خلّف رمادًا وخشبًا متفحّمًا وهياكل حديدية أعاد الحريق بفوضوية تشكُّل قطع البلاستيك التي كانت تكسوها.
لا يستعجلُ ولد خطري بابا في الجزم بأسباب الحريق، حيث ينتظر استكمال فرقة الدرك للتحقيق الذي بدأته صبيحة اليوم الموالي، إلا أن المعلومات التي توصل إليها تشير إلى حدوث تماسٍّ كهربائي في الأسلاك التي تربط المغسلة بعمود الكهرباء في الشارع المحاذي قبل أن تنفصل الأسلاك وتسقط على بعض الملابس فيحدث الاشتعال.
لم يؤدّ العدّاد دوره في التعطيل التلقائي للتيار الكهربائي وهو ما يعزوه ولد خطري بابا إلى أن التماسّ وقع على مستوى الأسلاك خلف العدّاد إلى جهة العمود الكهربائي..
شهادة التجار العاملين في سوق آمرج فإن مغسلة ولد خطري بابا المحترقة كانت تمثل مشروعًا تجاريّا واعدًا وتنبئ عن إبداع تجاري يخوّل خريج القانون الخاص إلى خوض المنافسة بقوة مع الكبار داخل السوق.
أما ولد خطري بابا نفسُه فكانت المغسلة تمثل بالنسبة له المورد المالي الذي يعيل منه أسرته، مع كثير من الأمل كان يحدوه لتطويرها وتوسيعها واستئجار مزيدٍ من العمال لمساعدته في استقبال الزبناء وتلبية ما يحتاجون.
يأمل الشاب الجامعي من وكالة تشغيل الشباب وصندوق الإيداع والتنمية ووزارة الشؤون الاجتماعية مدّ يد العون له لتمويل مشروعه التجاري من جديد.. فالإيمان بالقدَر والإصرار الذي يتحلّى به ولد خطري بابا علّماه أن لا يستسلم، كما علّمته تجربة 4 أشهر هي عمر المغسلة المحترفة أنها نواة مشروع تجاري واعد في آمرج.
وكالة الأخبار