تنتشر ظاهرة الصناديق المالية التي تُعرف في السودان بـ “الختة”، بين العائلات والأحياء والأصدقاء والزملاء في مؤسسات العمل العامة والخاصة. وتقول نادية الحاج (52 عاماً) إنّ اللقاءات بين الجيران وتبادل الأحاديث أدّت إلى ابتكار نظام “الختة” لإعانة نساء الحي
سلمى نور الدائم (34 عاماً) ربة منزل فشلت في إقناع زوجها الموظّف في شركة خاصة بإعطائها المال لشراء أثاث للمنزل الجديد الذي سينتقلان إليه قريباً. أخيراً، قرّرت ادّخار جزءاً من المصروف اليومي، ودفع مبلغ من المال إلى صندوقين ماليين اشتركت فيهما، الأوّل مع نساء حي امتداد ناصر في الخرطوم الذي تقطنه، وآخر مع أسرتها الكبيرة والممتدة داخل الخرطوم وخارجها.
وبعد أشهر، حصلت على نصيبها من الصندوقين، واشترت كل ما تحتاج إليه من أثاث، مثل غرفة نوم وغرفة جلوس وأوان منزلية، ولم يبق لها إلا القليل. تقول لـ “العربي الجديد”: “لولا الصندوقان، لما تمكنت من شراء حاجياتي. أفكر في اشتراكات أخرى لشراء أمور إضافية”، والتي لن تتمكن من إنجازها بمفردها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.
وتنتشر ظاهرة الصناديق المالية التي تُعرف في السودان بـ “الختة”، بين العائلات والأحياء والأصدقاء والزملاء في مؤسسات العمل العامة والخاصة. وتقول نادية الحاج (52 عاماً) إنّ اللقاءات بين الجيران وتبادل الأحاديث أدّت إلى ابتكار نظام “الختة” لإعانة نساء الحي، خصوصاً ممن فقدن المعيل، والعاجزات عن دفع الرسوم الدراسية لأبنائهن، مشيرة إلى أن التراجع الاقتصادي في البلاد فرض واقعاً جديداً، وباتت غالبية الأسر عاجزة عن الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية.
تضيف: “المال الذي يُفرض على الشخص للاشتراك في الختة يتراوح ما بين 50 جنيها (نحو ثلاثة دولارات) و100 جنيه(نحو ستة دولارات) في الأسبوع”. أما الختات الأكبر، فيتراوح الاشتراك فيه ما بين 500 (نحو 27 دولاراً) و1000 جنيه (نحو 55 دولاراً).
وعادة ما تُستخدم أموال “الختة” لتسديد رسوم المدارس والجامعات للأبناء، أو للعلاج، أو لتأمين تكاليف الزواج أو العقيقة، أو بناء المنازل الشعبية، أو شراء الأثاث، وغيرها. في بعض الأحيان، لا تقتصر المشاركة على النساء فقط، بل يشارك بعض الأزواج والأشقاء بصورة غير مباشرة، من خلال قريباتهن في “الختة”، ودفع اشتراكات “كاملة وجزئية”.
أما الرجال، فعادة ما يؤلفون “ختة” في مقار العمل، وتُستقطع الأموال من الرواتب الشهرية. ويشير الموظف منتصر خالد (38 عاماً)، إلى أنه اشترك في ثلاثة صناديق دفعة واحدة، واستفاد من الأول لشراء الأدوات الكهربائية لمنزله، والثاني لتغطية بعض تكاليف عرسه، والأخير كدفعة أولى للشقة التي يسكنها وزوجته حالياً. ويؤكد أنه ما كان في مقدوره جمع هذه المبالغ لوحده، لا سيما أنه لا يتمتع بحسن التدبير.
إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد عبد الحميد، لـ “العربي الجديد”، إن السودانيين يؤمنون بالتكافل والرحمة. لهذا، أصبح من المألوف لدى المرأة السودانية في كافة البيئات الجغرافية، خصوصاً الريفية وشبه الحضارية، المشاركة في الختة كعرف اجتماعي قديم. ويوضح أنّ علماء الاقتصاد يصنفونه نوعاً من أنواع الادخار.
ويشير عبد الحميد إلى أنّ أعضاء الختة هم غالباً من الفقراء أو محدودي الدخل، مبيناً أن علماء الاجتماع ينظرون إليها كوسيلة تكافل اجتماعي أو فرصة لنشر المحبة والوئام بين المجموعة الواحدة. وتتيح الختة للمرأة السودانية ذات التعليم المحدود آفاق التعاون والمشاركة وعدم الإسراف والتبذير/ وصرف المال على المواضيع الحياتية الهامة. ويشير إلى أن بعض مصارف الادخار طبّقت الفكرة في تعاملاتها المصرفية.
ويوضح أنّ الحلي التي تتزين بها السودانيات تتحول إلى ضامن قوي في قروض كثيرة. وحول انتقال الفكرة خلال السنوات الأخيرة إلى مؤسسات العمل والطبقات المتعلمة، يعزو محمد أحمد عبد الحميد الأمر إلى الفقر، الذي طاول شبحه الجميع، وبات الناس يلجأون إلى أساليب مبتكرة وأخرى تقليدية.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي نور الدين محمد جابر أن الختة تعد رافعة اقتصادية للعائلات، وتساهم في زيادة مداخيلها ومستواها المعيشي. ويشير لـ “العربي الجديد” إلى أنّ للختة مساهمة كبيرة في الناتج الإجمالي للاقتصاد السوداني، لأنها أدخلت أسرا عدة إلى دائرة الإنتاج، من خلال تملّك مشاريع إنتاجية صغيرة، مثل تربية المواشي والدواجن، والأشغال اليدوية، وإعداد الخبز والفطائر، وغيرها.
العربي الجديد