كمعلومات عامة عن مثلث حلايب نقول أن هذا المثلث يقع في الحدود الشمالية الشرقية للسودان على سواحل البحر الأحمر ومساحته عشرون كيلو متر ونصف مربع, تقطنه قبائل البجه وعلى وجه الخصوص قبيلة البشارين منذ آلاف السنين وأشهر مدن هذا الأقليم ميناء حلايب وأبو رماد وشلاتين.
جرت في هذا المثلث أول انتخابات سودانية تمت على مستوى السودان في نوفمبر 1953م لاختيار نواب أول برلمان سوداني وأعلن بعد هذه الانتخابات استقلال جمهورية السودان في 19/12/1955م من داخل هذا البرلمان المنتخب, ونذكر ان ناظر البشاريين في ذلك الوقت أحمد كرار كان قد فاز في تلك الانتخابات كنائب لهذه الدائرة دائرة حلايب .
وبعد نيل السودان استقلاله ادعت الحكومية المصرية ان مثلث حلايب يقع داخل الأراضى المصرية وقالت إن حدود السودان الشمالية هى خط عرض 22 بينما يقع مثلث حلايب في النتؤ الذي يلى خط عرض 22 شمالا , وبناء على هذا التفسير من الجانب المصرى وفى عهد الرئيس المصرى جمال عبد الناصر دخلت القوات المصرية إلى مثلث حلايب وتم ذلك في عام 1958م وقابلت الحكومة السودانية هذا الاجراء المصرى برد فعل سريع وتم ارسال قوات سودانية إلى منطقة حلايب لاجلاء القوات المصرية وكان ذلك في عهد حكومة رئيس وزراء السودان العميد عبد الله خليل, ومنعا للتصعيد ومواجهة القوات السودانية والمصرية بعضها البعض أمر الرئيس عبد الناصر القوات المصرية بالانسحاب من حلايب .
تلى ذلك أن دفعت الحكومة السودانية بشكوى إلى مجلس الأمن مطالبة بوضع حد للمزاعم المصرية بأيلولة مثلث حلايب لها وإحتلاله . وهدأت الأحوال نسبيا لكنها تصاعدت مرة اخرى في عام 1995م بعد دخول قوات مصرية كبيرة الحجم وبمعدات عسكرية واسلحة إلى مثلث حلايب وإحتلاله كعقوبة على السودان بعد إتهامه من الجانب المصرى بضلوعه في محاولة إغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس ابابا في عام 1995م عندما ذهب إليها لحضور مؤتمر القمة الأفريقية هناك بعد هذا السرد نقول أن الحكومات السودانية المتعاقبة قبل حكومة الانقاذ كان في مقدورها حل هذه المشكلة نهائيا مع مصر لكنها أهملتها .
نبدأ بحكومة الفريق ابراهيم عبود (1958- 1964م) الذي مكن دولة مصر من تشييد خزان السد العالى في الأراضي السودانية وقام بتهجير مواطنى مدينة حلفا والقرى المجاورة لها إلى منطقة خشم القربة في شرق السودان ودفعت الحكومة المصرية في ذلك الوقت برئاسة جمال عبد الناصر مبلغا ماليا للحكومة السودانية كتعويض لمقابلة نفقات التهجير ونشير إلى ان المبلغ المدفوع لم يغطى تكاليف الهجرة ونقول في هذا الخصوص أن حكومة الفريق عبود كانت في موقف قوى عكس موقف الحكومة المصرية التى كانت تبحث عن طوق نجاة عن طريق تشييد السد العالى لتخزين المياه في السد والتصرف فيها وفق ما تشاء في مجالات الري والصناعة والشرب… الخ وكما هو معروف ان مصر هي هبة النيل ولا توجد فيها أنهار فرعية أخرى كما ان أمطارها قليلة وكما اشرنا إن موقف حكومة الفريق عبود كان قويا عكس الموقف المصرى واذا طلب الوفد السوداني المفاوض اى طلبات من الجانب المصرى لما تردد الجانب المصرى على الموافقة عليها وكان على الجانب السوداني طرح الموافقة على تشييد السد العالى في الاراضي السودانية مقابل تخلى مصر نهائيا عن المطالبة بمثلث حلايب , ولو حدث هذا لوافقت مصر فورا على هذا الطلب ولتم تضمينه كبند من بنود الاتفاقية وبالتالى ينتهى الصراع حول حلايب نهائيا, كما لو طلب الوفد السوداني إمداد الأقليم الشمالى في السودان بالكهرباء المتولدة من السد العالى لوافق الجانب المصرى أيضا.
أما حكومة الرئيس جعفر نميرى (1969- 1985م) نقول ان النميرى لم يستثمر علاقاته الجيدة مع الرئيس المصرى السادات … وعندما قطعت جميع الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر بعد توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل عام 1979م لم يقطع الرئيس نميرى علاقات السودان مع مصر وظل النميرى داعما للسادات ومصر في جميع المحافل الدولية , وإرتفعت العلاقات بين الشعبين السوداني والمصرى ونمت حتى وصلت مرحلة التكامل واصبح مواطنو الدولتين يسافرون ويدخلون الدوله الاخرى بدون جواز سفر وكان الدخول يتم ببطاقة اطلق عليها بطاقة وادى النيل.. وهنا نقول لو استثمر الرئيس نميرى هذه العلاقات الجيده مع السادات وطلب منه وضع حل لمشكلة حلايب لوافق السادات بالتخلى النهائي عنها للسودان أو جعلها منطقة سياحية مشتركة باتفاقية مشتركة تودع في مضابط الأمم المتحدة – أما الحكومات السودانية الاخرى قبل حكومة الانقاذ 1989م أولا نسدى الشكر لحكومة عبد الله خليل (1955- 1958) لأنها دقت ناقوس الخطر مبكرا حول حلايب ودافعت عن الاراضي السودانية بارسالها قوات سودانية إلى المنطقة .
أما الحكومات الحزبية التى سبقت الانقاذ حكومة الازهرى (1964- 1969م) وحكومة الصادق المهدى (1985- 1989م) نقول إنها تركت الوضع في حلايب كما هو عليه وكان هادئا ولم تدخل القوات المصرية إلى المنطقة وظلت الانتخابات السودانية تجرى في دائرة حلايب بهدوء وبعد سته سنوات من الهدوء في منطقة حلايب توترت الاجواء من جديد بين مصر والسودان بسبب اتهام الحكومة المصرية السودان بالاشتراك في محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك في اثيوبيا عام 1995م ودخلت قوات مصرية كبيرة مثلث حلايب واحتلته بالكامل واصبح دخول السودانين إليه باذن وتصاريح خاصة واصبحت العلاقات بين السودان ومصر متوتره وغير مستقرة .
وبعد نهاية عهد حسنى مبارك ووصول الاخوان المسلين في مصر إلى السلطة برئاسة مرسى تحسنت العلاقات المصرية السودانية وعندما التقى مساعد رئيس الجمهورية السوداني موسى محمد احمد الرئيس المصرى مرسى في القاهرة قال موسى أن الرئيس المصرى قال له بانه اتفق مع الرئيس عمر البشير بأن يعود الوضع في حلايب إلى ما كان عليه قبل 1995م ثم التفاوض حول المشكلة وحلها, ولكن سرعان ما نفى مدير مكتب الرئيس المصرى تصريحات موسى محمد احمد حول الوضع في حلايب.. تلى ذلك وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى حكم مصر ودخلت الدولتان مصر والسودان في ادعاءات واتهامات متبادلة حول حلايب … واحكمت الحكومة المصرية قبضتها على حلايب.
وفي جلسة المجلس الوطنى السوداني يوم الخميس20/4/2018م استعرض وزير الخارجية السابق ابراهيم غندور الخروقات المصرية في مثلث حلايب وقال في كلمته أمام النواب أن حلايب محتلة بواسطة مصر واكد رفض السودان لادارة مصرية – سودانية مشتركة لمنطقة حلايب – وقال ان السودان تقدم بشكوى للامم المتحدة ضد مصر احتجاجا على اجراء الانتخابات الرئاسية المصرية في منطقة حلايب … وقال ان مصر تسعى لطمس الهوية السودانية .
واشار إلى دعوة الحكومة المصرية لشركات اجنبية للاستثمار في مثلث حلايب بجانب إنشاء محطات تحلية لمياه البحر الأحمر في المنطقة وإنشاء مينائى صيد في شلاتين وابو رماد وافتتاح مكاتب للسجل المدني في حلايب وتم نقل مراسم صلاة الجمعة على الهواء مباشرة من مدينة حلايب بامامة شيخ الزهر.
وقال إن هذه الخروقات من الجانب المصرى أصبحت روتينية ومعروفة للكل ومن جانبنا نقول ان تصعيد كبير آخر حدث وسوف تكون له عواقب كبيرة وهو تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لأنه بعد ترسيم الحدود البحرية الجديدة سوف تدخل منطقة حلايب تلقائيا في الاراضي المصرية ويكون خط عرض 22 هو الخط الحدودي الفاصل بين مصر والسودان ويلغى هذا الترسيم الجديد النتؤ الذي كان يعلو خط 22 من الجهة الشرقية في منطقة حلايب .
ونقول ان التنازل عن الجزيرتين والترسيم البحرى سوف يخلق وضعا جديدا في المنطقة بخلاف مشكلة حلايب لأن اسرائيل عندما وقعت اتفاقية كامب ديفد مع مصر عام 1979م كانت جزيرتا تيران وصنافير تابعتان للاراضى المصرية وبموجب تنازل مصر عن ملكيتها للجزيرتين تكون هذه الجزر تابعة للاراضى السعودية وفجاة سوف تجد السعودية نفسها جارة لاسرائيل واصبحت دولة من دول المواجهة لاسرائيل وقد لا تقبل اسرائيل التنازل المصرى عن الجزيرتين للسعودية وقد لا تقبل اى تعديل يجرى على اتفاقية كامب ديفد لأن الخرائط المرفقة مع الاتفاقية توضح أن منطقة سيناء باكملها وهاتين الجزيرتين اصبحتا مناطق منزوعة السلاح .. وتبعية هذه الجزر للسعودية قد يكون فيها تهديد لاسرائيل إذا أنشأت السعودية عليها منشاءت عسكرية كما يعنى تنازل مصر للسعودية عن الجزيرتين أن اسرائيل كانت تحتل جزر ومناطق سعودية وبعد التنازل المصرى تكون السعودية اعادت هذه الجزر إلى اراضيها بدون الدخول في مفاوضات مع اسرائيل لتتخلى عن هذه الجزر, واخيرا نقول ان الترسيم الحدودي البحرى الذي اجرته مصر عقد مشكلة حلايب .
ونقول للخارجية السودانية أن شكوى السودان ضد مصر الموجودة في مجلس الأمن منذ عام 1958م قد لا تحسم بواسطة مجلس الأمن لأن المجلس لا يرحب بالدخول في النزاعات الحدودية ويطلب من الاطراف المتضررة الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لحسمها.
كما ان دولة مصر لن توافق على اي قرار صادر من محكمة العدل الدولية إلا في موضوع يتعلق بهيئة قناة السويس – وهذا يعنى أن مصر لن توافق على تحكيم محكمة العدل الدولية في شأن حلايب – ونشير إلى أن طول المدة الزمنية للنزاع السوداني المصرى حول حلايب الذي بدأ عام 1958م قد يكون له اثر سلبي على الحكومة السودانية .
والان نسأل وزارة الخارجية السودانية هل انتم متابعون للشكوى الأم الأساسية التى تم الدفع بها إلى مجلس الأمن منذ عام 1958م وهل يتم تجديدها سنويا كما يزعم مسئولى الوزارة ام انتهت ونفدت صلاحيتها لأي سبب من الاسباب… واخيرا نقول أصحى يا بريش ولا تنوموا في العسل.
بقلم: لواء ركن (م) بابكر ابراهيم نصار / الملحق العسكرى الأسبق في اثيوبيا.