* ملك الطمبور
(ولا شوفةً تبل الشوق ولا رداً يطمن..
أريتك تبقى طيب إنت وأنا ألبي كلو هين)
{ هكذا يأتي صوته منساباً كنسمات الصباح ناثراً عطره الأخاذ الذي فاح وإنداح حتى ملأ أرجاء السودان بطيبة، إنه ملك الطمبور و(أغاني الشايقية) الفنان “النعام آدم”، نذكره هنا في هذه المساحة متأملين تجربته، وأيضاً متأملين تجارب آخرين مثل لهم “النعام آدم” دافعاً ليخرجوا مكنوناتهم الإبداعية التي ظلت تثور في دواخلهم رغم الإعاقة.
{ فـ”النعام آدم” القادم من أرض الشمال في ستينيات القرن الماضي بهر الناس بقدراته الفائقة في الغناء وفي العزف على آلة الطمبور، وأدهشهم بصوته الطروب المليء بالشجن، فأحدث حينها نقلة واسعة في هذا الضرب من الفنون، حيث سار على دربه العديد من النجوم ممن جاءوا بعده، خاصة أنه كان يتمتع بحسن الاختيار للكلمة والألحان.
{ أردت بهذا الحديث عن “النعام آدم” أن يكون مدخلاً أو مقدمة لوقفات قصيرة في محطات وتجارب مبدعين كثر فقدوا نعمة البصر، إلا أن بصيرتهم المتقدة أضاءت لهم الطريق نحو فضاءات الإبداع، بما ملكوا من مواهب عظيمة وملكات إبداعية حباهم الله بها ليملأوا بها الدنيا ألقاً وجمالاً وإدهاشاً.
* كمبيوتر الحقيبة
ومن أصحاب البصيرة هؤلاء.. نذكر نجم (الحقيبة) الفنان القدير “مبارك حسن بركات” (كمبيوتر الحقيبة) كما يحلو لعشاقها أن يسموه.. و”مبارك حسن بركات” أيضاً يأتي رمزاً لأولئك المبدعين الذين فقدوا نعمة البصر وامتلكوا نعمة الإبداع، فهو الذي تغنى وشدا بالمئات من الألحان والأغنيات الأصيلة، فكان صوته المحتشد بالروعة والجمال ضارباً في الدواخل عشقاً وطرباً ومحبة، و”مبارك” المبارك يعتبر من المجددين والمجيدين الذين أبدعوا في مجال الحقيبة بمختلف أشكالها وألوانها، وكما هو معروف انتمائه إلى منطقة (العيلفون) التي رفدت ساحات الغناء السوداني بعدد وافر من (أهل المغنى) شعراء ومطربين، و”مبارك حسن بركات” أيضاً يعتبر من الباحثين والموثقين في مجال التراث الإبداعي، وهو من القلائل الذين أبدعوا وأجادوا في أداء أغنيات الحماسة والتراث.
* بنت النيل ملكة الإحساس
{ والحديث عن أصحاب البصيرة المبدعة يقودنا إلى التوقف عند تجربة ثلاث من المبدعات الرائعات صاحبات البصمة الواضحة في مسيرة الغناء والطرب، في مقدمتهن ملكة الإحساس المطربة “حنان النيل” و(بنت النيل) منذ ظهورها في أواخر الزمن الجميل من خلال منافسات الدورات المدرسية، استطاعت أن تضع بصمتها وتظهر لونيتها التي تميزت بها دون غيرها، وسرعان ما سطع نجمها وعلا شأنها وصار لها إنتاج وافر يحمل في جوانحه كل آيات الجمال والإبداع، ورغم انقطاعها عن الغناء فما زال صوتها متصلاً بالوجدان، وسيبقى على مر الزمان يرن في كل الآذان، إن كان ذلك في مجال الإنشاد والمديح النبوي ــ ولها فيه باع طويل ــ أو في مجال الغناء والطرب.
* آمال الفن ونوره
{ النجمة الثانية من أصحاب البصيرة المبدعة هي بالتأكيد آمال الفن ونوره الإبداعي، المطربة المبدعة “آمال النور”، تمتاز بصوت متعدد الطبقات وصاحبة قدرات مكنتها من مشاركة عمالقة الغناء في الكثير من أعمالهم الإبداعية الكبيرة لتنتزع منهم الاعتراف والإشادة بصوتها وطريقتها المتفردة في الأداء، وعلى رأسهم الإمبراطور “محمد وردي”.
آمال الفن قدمت من إنتاجها أعمالاً غنائية في منتهى الرقي والروعة، عملت فيها تجاربها الأكاديمية فأسعدت بها الناس، وينتظر أن تقدم “آمال” ببصيرتها المبدعة الكثير والمثير من الأعمال المتقدمة في مقبل الأيام.
* تجربة الملاك
أما صاحبة البصيرة الثالثة في مجال الإبداع هي الفنانة “نبوية الملاك” التي اقتحمت هذا المجال بقوة وسارت فيه بخطى واثقة، فقدمت بصوتها الدافئ عدداً وافراً من الأعمال المسموعة والخاصة، فكان التوفيق حليفها في كل ما قدمت وانتشرت سريعاً، بعد أن بهرت المستمعين والمشاهدين بصوتها وتجربتها المختلفة في ساحة الغناء.
* ناقل إحساس الكبار
{ كذلك من المطربين أصحاب البصيرة المبدعة والذي ملك كل أسباب النجاح وحجز لنفسه مقعداً مرموقاً في دنيا الإبداع الطربي الفنان المبدع “عاطف عبد الحي” صاحب الصوت العجيب، والقدرات العالية في نقل أحاسيس الكبار من عمالقة الغناء السوداني، و”عاطف عبد الحي” بتميزه وتفرده ظل يمثل حضوراً أنيقاً في كل المحافل، خاصة في منتديات الخرطوم ولياليها المختلفة، مساهماً بذلك في إمتاع روادها بحس راقٍ وذوق فني أصيل، وإطلالاته الدائمة والمستمرة جعلت منه نجماً يشار إليه بالبنان.
* إبصار عبر الأوتار
{ أما الموسيقي الساحر صاحب الأنامل الذهبية “عوض أحمودي” فيمثل حالة إبصار عبر الأوتار.. فكل رنة وتر يضربها “أحمودي” لها وقع خاص في قلوب أبناء هذا الشعب الطروب.
و”عوض أحمودي” (العواد) الذي اعتاد أن يهدي الناس الفرح الذي يعبر عن آمالهم وأحلامهم وآلامهم وهو موهبة من الله جاء ليضع ما ملكه من بصيرة الإبداع لإدهاش الناس وإسعادهم.
{ خواض في بحر التميز
{ اما الموسيقي الشاب أحمد الخواض عازف آلة النفخ المعروفة بـ(الصفارة ) فيكفي أنه بحركة أنامله المدهشة انتزع الإشادة من أمبراطور الأغنية السودانية الموسيقار الراحل محمد وردي، وعبر نغمات الصفارة أدخله وردي ضمن التشكيلة الاساسية لفرقته الموسيقية.. وهو الآن يعد من أبرع عازفي هذه الآلة العتيقة، وظل يؤكد يومياً أنه خواض في بحر التميز الإبداع الموسيقي
* الشاب والشيخ المعجزة
{ أخيراً نختم جولتنا هذه مع أصحاب البصيرة المبدعة بتجربة الصوت الإذاعي نجم إذاعة (الكوثر) و(قناة ساهور) الشيخ “محمد عطا”، هذا الشاب المعجزة ظل لسنوات عديدة يملأ الأثير بأميز البرامج الإذاعية في السيرة النبوية والنجم “محمد عطا” لديه العديد من التجارب والأفكار التي تجعله يمثل اجتهاداً موفقاً لفاقدي البصر للسير على هداه وخطاه.
* خاتمة
{ ختاماً نقول جميع التجارب التي وقفنا عندها من أصحاب البصيرة المبدعة، أثبتوا للجميع أن فاقد البصر صاحب بصيرة وصاحب رسالة سامية، عليه أن لا يتخلف عن حركة المجتمع الذي يحركه الطموح ويسعده النجاح وعلو الهمة وصعود القمة.
المجهر – عامر باشاب
صحيفة المجهر السياسي