قضيتُ أربعة أيَّام من الأسبوع الماضي في مدينة “الدوحة” عاصمة دولة قطر.. بدعوة كريمة من )مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع( للمشاركة في حفل افتتاح “مكتبة قطر الوطنية” .. ربما هي أول زيارة –حقيقية لي لدولة قطر.. فاستثمرت كل وقت متاح لاستكشاف أعماق دولة يتردد اسمها في الأرجاء كثيراً..
أول ما لفت انتباهي في قطر أنها دولة مشغولة حتى النخاع بالمستقبل، غير قلقة على الحاضر مهما تعقَّد، للدرجة التي خُيل إليّ أن الحدث الكبير المنتظر في العام 2022؛ استضافة كأس العالم، ليس في نظر قطر إلاَّ مجرد قياس للمواكبة الحضارية Benchmark .. فالمشروعات العمرانية الحضرية والتحديث والحكومة الإلكترونية تندفع بسرعة مدهشة وكأني بها تُحدّق في عقارب الساعة للحاق بالميعاد المنتظر.. في كل موقع آلة تحفر أو أخرى ترفع أو لافتة تبشر بما هو قادم.. وتجلى كل ذلك في المشروع الذي كان عنوان زيارتي لقطر، “مكتبة قطر الوطنية”.
في قلب مدينة العلوم أنشئت مكتبة ضخمة بآخر ما توصلت إليه الاختراعات الإنسانية، سعتها مليون ومائتا ألف كتاب منها مخطوطات تاريخية نادرة.. هنا لا هم سوى فقط المستقبل الذي كلما أشرقت عليه شمس يوم جديد تحول إلى حاضر ثم ماضٍ، مثل صاروخ مندفع نحو الفضاء يرتقي مرحلة فمرحلة في كل واحدة منها يلقي جزءاً منه، لصالح الانطلاقة نحو المرحلة التالية..
ألم أقل لك إنَّ هذه الدولة ليست قلقة على الحاضر، لأنها تعيش المستقبل؟..
الأمر الثاني الذي لفت نظري في دولة قطر، المرأة؛ أسماء النساء الرائدات تلمع كالنجوم في سماء قطر، فلنأخذ مثلاً الحدث الذي كنت مدعواً له، صاحبة الفكرة وراعيتها والمشرفة عليها هي الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، وعلى رأس الإدارة التنفيذية التي أنجزت مشروع مكتبة قطر الوطنية الدكتورة سهير وسطاوي، ثم المفاجأة؛ حتى السيمفونية الموسيقية التي كانت أيقونة حفل الافتتاح هي من تأليف الموسيقار “دانا الفردان” وهي شابة قطرية ملهمة ومبدعة.. وبصراحة لم أفهم سر هذا التميز للمرأة القطرية، وإن كنت أؤمن أن واحداً من أهم معايير بناء الأمم وقياس نهضتها وتحضرها المرأة.. أنظر أين المرأة لترى أين الأمة..
الأمر الثالث الذي لفت نظري في هذه الزيارة هو الزمن؛ هذه الدولة تدق نبضات قلبها بـ”النانو سكند” Nanosecond .. لا تغمض عين وتفتح صباحاً إلا على مشهد جديد، كل شيء يتحرك بسرعة، المشروعات، المعمار، مطار جديد، مدن جديدة، الخدمة المدنية الإلكترونية المُشبّكة في كل موقع.. انتهى عصر الورق..
بحجم الجغرافيا، وعدد السكان قطر دولة صغيرة جداً، ولكن بحساب التأثير الإقليمي والدولي هي دولة عظمى.
حديث المدينة
عثمان ميرغني