في حوار القصة والتاريخ أرملة البروفيسور عبد الله الطيب (الجريزلدا)

تزوجته في السر  خوفاً من أهلي وعرفت في شخصه الإسلام

من شدة فرحهه بها جائزة الملك فيصل سارعت برحيله 

أهديته عمري وشبابي وحفرت قبري جواره

التوب السوداني عزة وكرامة و انا دايرة الشعب السوداني يفتخر بنفسو

أعيدوا الغزل والنسيج وأحفظوا التراث قبل أن يفنى أو يُسرق

إحدى قصص العشق الأسطورية السودانية لا تقل عن حكايات ألف ليلة وليلة وتبعياتها من النوادر العاطفية أمثال قيس وليلى روميو وجوليت عنتر وعبلة وهنا التاريخ يهدينا قصة جديدة للبشرية وللعالم وللتاريخ وللأجيال بطلها عاشق بدرجة (بروف) العلامة والمفكر (عبدالله الطيب) والفاتنة الإنجليزية (الجريزلدا)

فصولها التضحية ودروسها التمسك بالاختيار والقرار.. الحسناء التي تخلت عن وطن كامل يعج بالأنوار والأزدهار الهدف فيه واضح والحلم فيه فسيحاً متوجهة بقلبها إلى بلاد تموت الأزهار من شمسها زادها ودافعها رجل سوداني أمنته على نفسها وأحلامها فخلدت قصتهما في التاريخ السوداني المعاصر

ارتبطت به روحياً وفكرياً، فأصبحت في خاطره ووجدانه هياماً يطوف حوله إلى أن فارق الحياة جلست معها للتوثيق فكانت كما النسمة في سلاسة حديثها فاتحة خزائن أسرار تاريخية ومصيرية في رحلتهما معاً حتى الآن..

*بالمعايشة والتجربة ماذا أنت قائلة عن الحياة السودانية بماضيها وتنبؤات مستقبلها؟

– في الماضي كانت الحياة بسيطة وجميلة ألا أن هناك تحولات حدثت جعلتها تدور في حلقة دوران غير مفهومة وعلى سبيل المثال كان هناك مشهد يؤثرني وهو منظر الطلاب وهم يرتدون الأبيض بالجلباب الناصع قمة الروعة.. وكمساهمة عامة حتى الجمارك كانت تعفي قماش هؤلاء الطلاب دعماً للتعليم..

إلا أن قدوم محيي الدين صابر من مصر وهو مسؤول عن ملف التعليم حرمنا من تلك اللوحة التي كان يرسمها الطلاب بهندامهم الأنيق والجميل فقد اتخذ عدة قرارات غير مدروسة كان أولها استبدال الزي، فقد تحول من الجلباب إلى القميص والبنطلون لم يقف على ذلك حتى كتب الأطفال كان يأتي بها من مصر وهذا اختيار ليس في مكانه، لأنه يفرق ويفقر طبيعة وميول هؤلاء الأطفال ولا يعزز ثقافتهم بموروثهم ومكتسباتهم وامتدت تشريعاته حتى العطلات.

فقد وضع الإنجليز العطلات في شهور بعينها بصورة مدروسة ودقيقة قبل قدومه كانت العطلات من شهر 7_ 4 حتى يتسنى لهؤلاء الصبية مساعدة أسرهم في أيام الحصاد آنذاك وحتى 4 لأن تلك فترة الصيف وفيه يأتي السحائي والرمد وبعد استبدال هذه الشهور ماذا حدث أصاب السحائي كمية من الطلاب وحرمهم من السباحة ورفاهيات السينما وهذه بعض من القرارات تسببت في تحولات الحياة السودانية..

*ارتبط ردك بجزئية كبيرة عن الثوب السوداني لماذا؟

– لأن الثوب القومي يمضي نحو الاندثار وللحقيقة هو جميل ويجب الاعتناء به والمحافظة عليه يكفي تميزه عن غيره من الشعوب.. ويجب ألا يقف حده بالمحافظة عليه فقط يجب أن يسعى لتطويره وممكن تقول (أنا دايره الشعب يفتخر بنفسوا وعزتوا والثوب القومي شرف وكرامة)، وصراحة مظهر الشارع العام بقى (بايخ ) (لبس كيف كيف طلبة الجامعات شكلهم كيف كيف) يجب أن يسعى القطاع العام والخاص والمؤسسات التربوية إلى تشجيع الانتماء والقومية..

*كيف تم اللقاء بينك والبروف عبدالله الطيب وأين كان ذلك؟

– بدأت الحكاية عندما كنت طالبة في جامعة لندن كلية الفنون الجميلة وللتدرج أكثر من ضروريات الكلية أنه حتى تتخرج بالدرجة البكالاريوس يجب عليك المرور بعدة تخصصات (يوم فلسفة ويوم رسم ويوم للتربية) في محاضرات التربية جاء وفد من السودان للدراسة بقسم المستعمرين كان ذلك في العام خمسة وأربعين

بعد الحرب العالمية الثانية تكون الوفد من مجموعة أذكر منهم أحمد الطيب محمد علي الشفيع شوقي وآخرون البروف كان من أعضاء هذا الوفد..

*أين كان زواجكما في انجلترا أم السودان وبأية طريقة تم السودانية أم الإنجليزية؟

– في البداية الأمر كان الزواج في السر وتم الزواج في إنجلترا بصورة مدنية بواسطة محكمة الأحوال الشخصية لم يكن معلناً حتى لأسرتي وعندما علموا بذلك أصابهم إحباط شديد جراء ذلك نسبة لشكل الاختلافات التي كانت بيننا ولكن إصراري على الاختيار والقرار الذي اتخذته حوّل الزواج إلى أمر واقع وبعد ذلك أشيع أمره على نطاق أوسع..

*أكثر الخصائص والجماليات التي مثلت عنصر جاذبية ودعتك للارتباطات به؟

ثقافته العالية وقدرته الفائقة على الاستنتاج والتحليل وقراءة الأحداث والمستقبل، كاريزمته الساحرة التي تشدك إليه وتجعلك هائماً في عوالمه وعن جماليته أسنانه ناصعة البياض وملامحه التي تظهر قوته وتصالحه مع نفسه والآخرين فهو بسيط غير معقد دائم التفاؤل والأمل راضٍ عن نفسه وما قدمه، محب لماضيه.

* بعد الارتباط هل صار البروف (خواجة) أم أصبحتي سودانية؟

– لم يصبح البروف خواجة ولم أصر سودانية كلا منا تمسك بمفاهيمه ومعتقداته، كونا ثقافة مبنية على تحمل الآخر واحترامه ومن ثم العمل على إضافة وتطوير بعضنا البعض وهذا ما ساعد في استمرارية وطول العلاقة التي جمعتنا مع بعض وأرى أن من الضروري أن تنشأ صياغة تفاعل وتعامل مع كل شريكين حتى يثمر ذلك مودة ورحمة بينهما..

*كيف كان العلامة يقضي يومه وما السمات البارزة في حالته المزاجية وطبعه؟

– يبدأ برنامجه بالذهاب إلى العمل الذي يأتي منه بعد منتصف اليوم يتناول وجبته ويخلد لساعات من النوم شاي المغرب عندنا من الأساسيات التي لا أتنازل عنها ويحبذ النوم على السطح دون الغرف يقضي جزءاً من وقته في القراءة والاطلاع، يحب السينما والأعمال المسرحية.. وواجبي تجاهه ترتيب كل المتعلقات بداية من ملابسه وسكناته واختيارات أزيائه وكل ما يتعلق بالمظهر العام..

محب للسباحة ويجد ضالته في الزوارق.. وسباح لا يشق له غبار وبالنسبة لطبعه فهو متقلب وفي بعض الأحيان حاد وأنا كذلك ولكن كان الحب هو القاسم المشترك لحل كل قضايانا ومشاكلنا وهو ما يدعونا دوماً للتخلص من الثغرات، وهذا ما جعلنا سعداء.

*الثقافة والعادة السودانية تحتفي بالحوش والديوان لكثرة ضيوف البيت السوداني كيف تعاملتي مع هذا الواقع إبان فترة قدومك؟

– أنا أحب هذا النوع من الترابط تعاملت مع هذا الواقع بفرح شديد لأنه قدم لي نوعاً آخر من شكل التعامل والتواصل الإنساني لم يمثل لي أية عقبة بل كنت حريصة للاندماج والانغماس لفهم المزيد من خصائص هذا المجتمع الجميل..

*المرشد في فهم أشعار العرب هل ترين أنه كان نقطة الانطلاق للعالمية بالنسبة له؟

– هناك عدة مؤلفات له وميزتها أنها تختلف في التناول والقيمة الفكرية ولكن اتفق معك في هذه النقطة؛ لأنه فتح له آفاقاً أكبر من المحلية وحظي بانتشار كبير..

*شكلت رواية موسم الهجرة للشمال للطيب صالح حالة من الجدل وبالتحديد في الجانب المتعلق ببطلها مصطفى سعيد بعض النقاد يرون أن مصطفى سعيد هو نفسه الطيب صالح باعتبارك مهتمة وقادمة من تلك الديار ومعاصرة لتفاصيل النص ما حكمك؟

– جزء من تفاصيل موسم الهجرة إلى الشمال مبنية على خيال وغير منطبقة تماماً، وعن مصطفى سعيد فالطيب صالح كون هذه الشخصية من مجموعة من الشخصيات السودانية التي جاءت باكراً إلى المملكة المتحدة كان شكل حياتهم ينطبق تماماً على حال مصطفى سعيد وعن ما تردد عن أنه الطيب صالح نفسه فهو حديث عارٍ من الصحة…

*مقارنة بالمنتوج الأدبي والأفكار والطرح التي قدمها البروفيسور عبدالله الطيب هل ترين أن البروف أنصف من قبل المثقف السوداني؟

– بصراحة لم ينصف كاملاً، كثير من المثقفاتية جعلوا من الطيب صالح رمزاً للأدب والفكر السوداني بفضل مجهود بسيط لا مقارنة بما قدمه البروف للأمة والعالم وتم اقصاؤه لأهداف غير معلومة ولكن الحقوق لا تهضم وإن طال أمدها والتاريخ لا ينسى ولا يرحم وإن تم تغيبه عمداً سيأتي زمان ينكشف فيه المستور ويحتفي فيه كل صاحب حق بانتصاره ولو بعد حين..

*كان عنده أي ميول سياسية؟

– لم يكن لديه أي ميول أو ارتباطات سياسية كانت جل همومه واهتماماته فكرية ولكنه عانى منها جداً وجد ظلماً كبيراً واستهدافاً فترة حكم الرئيس جعفر نميري شرده في تلك الفترة من الحكم فقدت البلاد الثقة في الترقية التي تدعمها المؤهلات والخبرات وبات شكل التكليف مبنياً على شروط أخرى. في الفترة التي كان يجب أن يكون فيها مديراً للجامعة تم تعيين آخر أقل خبرات ولا يمتلك المؤهلات الأكاديمية التي كان يمتلكها البروف..

بل شردوه وتم تكليفه أن يذهب إلى جوبا ويؤسس لكلية الآداب هناك حملنا حقائبنا واتجهنا إلى هناك وصلنا المكان وجدناه متوحشا ًسموه سكانه (برجال مافي) وجدنا مباني بشكل محدد ظننا أنها أهلت لسكننا وعندما وصلنا إليها تم طردنا، وقال هذا المبنى مشيد لبعثة أمريكية وسألنا إذن أين المباني المخصصة للكلية قالوا لا توجد رفضنا هذا الوضع وعدنا وحتى يتجنب نميري الحرج عرض عليه أن يكون سفيراً، لكنه رفض وفي تلك الفترة كان منصب سفير يعني عدم إبداء رغبة بطريقة غير مباشرة.

*بعد السنين الطوال التي قضيتيها في البلاد ماذا تسمي الهوية السودانية عربية أم أفريقية؟

تعددية الشعب السوداني أعطته ميزات لم يمتلكها غيره، كنت أتمنى أن يستفيد من هذه التعددية ويثق فيها لكي يبدع أكثر ولكن تم استغلالها فتحولت من قوة إلى ضعف. نحن أخذنا الصالح من أفريقيا والجميل من العربية ويجب أن تكون هويتنا السودان البلاد أنا أقول نحن لأنني أخذت الجنسية السودانية وأفتخر بذلك.

*هل قام بترك أية وصية قبل رحيله؟

– هناك عدة أعمال لم تحظَ بالنشر كتبها عن مواضيع مختلفة كان يتمنى أن تنشر لكنها لم تجد حظها من النشر..

*من بوابة الخروج

*جائزة الملك فيصل هي التي تسببت في موته سعادته بها وحزنه بعدم الوفاء من بلاده جعله يموت حزيناً..

*هذه البلاد لم تنصفه أبداً قدم لها الكثير ولم تعطه حقه

*متواصلة مع أهله باستمرار وللدامر والتيمراب خواطر وذكريات

* أهديته عمري وشبابي وضحيت بأهلي ودياري من أجله وحفرت قبري وسورته بجواره حتى تتعلم البشرية معنى الحب والوفاء

* لدينا خيرات قطن قمح.. أعيدوا الغزل والنسيج والتراث السوداني سجلوه واحفظوه فكرياً، فهذه أمانة ويجب أن تسلم للأجيال

حوار: علي أبوعركي

الخرطوم (الدار)

 —-
نقلاً عن كوش نيوز
Exit mobile version