حقائق قانونية ودستورية بشأن إقالة غندور!

بصرف النظر عن مآلات الجدل الذي دار وما يزال يدور حول قرار إقالة وزير الخارجية السوداني البروفسير غندور, فان إمعان النظر فى القرار وملابساته بإمكاننا ان نقرأ فيها عدة أمور شديدة الاهمية: أولاً، القرار الصادر بحق الوزير المقال، لم يتضمن حيثيات

معينة أفضت تحديد للقرار، وهو أمر يتسق مع نصوص الدستور باعتبار ان حق تعيين وإعفاء الوزراء هو حق من صميم حقوق وصلاحيات الرئيس دون الحاجة لإيضاح أسباب او مبررات.

و تقتضي قواعد المنطق الدستوري هنا ان نشير إلى ان قرارات التعيين عادة لا تستلزم إيراد حيثيات معينة ومن ثم بالمقابل فان قرارات الإعفاء والإقالة لا تستلزم أيضاً إيراد حيثيات . هذه امور بديهية ومعلومات من الدساتير في كل العالم بالضرورة، خاصة ان السودان يتبع نظاماً سياسياً رئاسياً والرئيس هو صاحب السلطة التنفيذية وهو المسئول عن الجهاز التنفيذي.
ثانياً، التحليلات او ان شئت سمها التكنهات التى راجت هنا وهناك بأن الوزير المقال ألقى بياناً غير مناسب في البرلمان -حتى الان- لم تقبل بها الرئاسة السودانية وطالما انها لم تصدر عن مؤسسة الرئاسة لا تلميحاً ولا تصريحاً، فان من شأن الأخذ بها – كأمور مسلم بها – لا يمكن اعتباره فكرة سديدة.

ثالثاً، على فرض صحة ما قيل عن بيان الوزير المقال في البرلمان بشأن استحقاقات البعثات الدبلوماسية في الخارج وعدم مدها بالمال اللازم لتسيير عملها فان حديث الوزير في البرلمان – للأسف الشديد – لا يستق مع القانون والدستور وباستطاعة من يريد ان يراجع الدستور والقانون للتحقق مما نقول . كيف ذلك؟ فمن جهة أولى فان البرلمان لا يملك حق (إجبار) السلطة التنفيذية على أداء عمل ما، البرلمان هو جهة رقابية و تشريعية تراقب أداء الجهاز التنفيذي وتحاسبه على أدائه هذا ومن حقه استدعاء المسئولين و مناقشتهم ولكن لا يملك البرلمان (سلطة إجبار السلطة التنفيذية) على القيام بأداء عمل ما. من ثم فان حديث الوزير عن تقصير الأجهزة التنفيذية فى سداد مستحقات البعثات الدبلوماسية، هو حديث مرسل لا جدوى منه، ولا يفيد في شيء وإنما يقع ضمن نطاق إحداث أزمة لا مبرر لها.

ومن جهة ثانية فان الوزير -أي وزير- في النظام الرئاسي، هو مساعد أو معاون للرئيس، فالرئيس هو صاحب السلطة الأصلية و يوكل هذه السلطة للوزير؛ والرؤساء في الأنظمة الرئاسية لا يحاسبهم البرلمان، على خلاف النظم البرلمانية التى يجوز فيها للبرلمان حجب الثقة عن الحكومة، او إسقاطها او محاسبة رئيس الوزراء.

فان كان الأمر كذلك طالما ان الوزير يمثل الرئيس في إدارة الخارجية، فان الوزير محكوم بتوجيهات ورؤى الرئيس في كل شيء ولا ينبغي له ان يتجاوز ذلك. ومن المؤكد ان الوزير غندور فاجأ الكل بحديثه عن أمر من صميم أسرار وزارته، ومن المؤكد انه لم يتقيد في هذا الصدد بواجباته ومسئولياته أمام الرئيس، فمن الطبيعي إذن – وقد خالف سير الأمور العادية – ان تلجأ الرئاسة لإقالته وهو أمر يتبين فه خطا الوزير وهو على علم مسبق بنتائجه.

وأخيراً فان من المؤكد انه اذا تم فتح الباب واسعاً لكل وزير لكي يلقي بالحجارة على مؤسسة الرئاسة صاحبة الحق الأصيل، في الجهاز التنفيذي وإدارة الدولة فان الأمر يخرج من السيطرة وتضرب الفوضي بأطنابها. الرئاسة السودانية في واقع الأمر لم تفعل اكثر من إعادة الأمور إلى نصابها بغض النظر ع مكانة الوزير او نجاحاته أو أداءه.

سودان سفاري

Exit mobile version