إجراءات تعسفية أقل ما توصف به سياسة البنك المركزي ووزارة المالية في قضية توفير متطلبات الوزارات الخدمية لاموال التسيير من مرتبات وغيرها ،حتى اصبحت حجر عثرة امام كل الوزراء وعرضت في العلن لمحاولة ايجاد الحلول لها ،
وجعلت وزير المالية الاسبق يتكهن بان الوضع الحالي لا يشجع على قيام وزارة للخارجية في الوقت الراهن إثر اقالة غندور عن صهوة جوادها ، بسبب المرتبات للدبلوماسيين وهي صميم عمل بنك السودان هنا حملنا هذا الامر لبعض الخبراء الاقتصاديين لعكس رؤيتهم للقضية فكان الآتي:
مزاجية التعامل
في فاتحة حديثه للصحيفة قال د.الفاتح عثمان محجوب ـ الخبير الاقتصادي ـ ان ما حدث بالخارجية نتاج للسياسة التي تدار بها الحكومة، واكد ان هناك اشكالية حقيقية في الطريقة التي تدار بها الحكومة منذ امد والازمة ليست وليدة الشهور الاخيرة، وهي ترتكز على سوء التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة وسوء ترتيب الاولويات بين وزارة المالية وبنك السودان، ووصف الفاتح الوضع الحالي بقوله ان وزارة المالية هي رئاسة مجلس الوزراء الفعلي في الحكومة السودانية فمنذ قيام الانقاذ اُديرت الحكومة بنظرية التفويض التي يترتب عليها وجود الجزر المعزولة فيتصرف كل شخص بحكم انه المفوض في الموارد التي تعطى له بدون تنسيق يذكر مع المؤسسات الاخرى، فنتج عنه تعاظم سلطتي المالية والمركزي بحكم انهما يمتلكان موارد الدولة المالية فاصبحا يمنحان من يرضيان عنه ويتجاهلان ويحرمان من لا يرون انه مهم في ترتيب الاولويات لديهما، ما جعل منهما دولة داخل الدولة السودانية.
واشار الفاتح الى ان ما حدث لا يتعلق بالخارجية فقط بل يخص ايضاً وزارة النفط التي اعلن وزيرها قبل شهر ان المالية تتعثر في دفع مستحقات ومرتبات العاملين، بها وانه يلجأ الى طرق كأنه يقول انها ملتوية للحصول على اموال لتسيير امور الوزارة وحدث ما قامت به الشركة الهندية برفعها للقضية ضد السودان بعد ان تعثرت المالية في دفع الاموال، وهو ما ادى فعلياً الى تناقص انتاج البترول في السودان بعد ان انتفت الرغبة في تلك الشركات للعمل في السودان وتنفق لتطوير انتاج البترول فيه فتناقص الى 83 الف برميل الان ، فوزارة المالية تدفع الاموال لجهات ترى انها مهمة على الرغم من انها غير انتاجية في القضايا الخدمية، وتبخل به على جهات اساسية كالخارجية والنفط.
التغول على الصلاحيات
واضاف الفاتح ، هذا الامر يعكس غياب الدور التنسيقي لمجلس الوزراء بعد ان تغول المركزي والمالية على سلطته وهي القضية الاخطر والسبب في ذلك تعودهما على التحكم منذ قيام ثورة الانقاذ الوطني بالتفويض المعطى لهما دون الرجوع لرئاسة الجمهورية، فاحدث خللاً كبيراً وفساداً اكبر منع تطور البلاد فظهر سوء التنمية وادى لخلل في مؤسسات مهمة.
واشار الى ان الحل ليس في اعفاء وزير الخارجية الذي احتج على مرض حقيقي موجود والطريقة التي تدار بها الحكومة ، فالتغيير لن يحل مشكلة وان قام بذلك بنسبة بسيطة وقد حدث ذلك عدة مرات في السابق ولهذا يجب على رئاسة الجمهورية لالغاء نظرية التفويض التي تدار بها الحكومة السودانية والتي هي سبب الازمة وما سيحدث منها مستقبلاً ، والعمل على تفعيل دور فعال لمجلس الوزراء ليصبح هو المسؤول عن التنفيذ بين المؤسسات المختلفة بشكل عملي وليس نظرياً، ويصبح القيّم على توزيع الاموال وليس المالية، لان اولوية الانفاق لا تخص المالية او المركزي بل مجلس الوزراء.
حالة الطوارئ
من جهته اكد الخبير المصرفي د.عبدالله الرمادي في حديثه لـ”الانتباهة” ان اما حدث متوقع منذ يناير حذرنا من هذا الوضع واننا على اعتاب الدخول في مرحل متأزمة ينبغي الاسراع باتخاذ خطى، ووصلنا الان الى مرحلة تستوجب ان نعلن حالة الطوارئ على الرغم من ان السودان غني جداً بامكانياته الا ان تفشي الفساد وسوء ادارة الاقتصاد اهدر هذه الامكانيات بعد ان انتقلنا من مرحلة الركود الاقتصادي فتعطلت ايدي الانتاج كافة من زراعة وصناعة وغيرها فتوقفت موارد الدولة بتعطل الصادر.
وأبان الرمادي ان مرحلة الدخول للجمود الاقتصادي وهي مرحلة تحرير اقتصادي بحت لا دخل لها بالسياسة وقد بدأت بالظهور من خلال عجز الدولة في الايفاء بالتزاماتها نحو مؤسساتها وبعد اسابيع ستصبح واقعاً نعيشه.
انسداد اقتصادي
وحذر الرمادي من الدخول في الدولة الفاشلة والتي اذا دخل السودان فيها فهي اخطر ما يمكن ان تكون وهي مرحلة الانسداد الاقتصادي، فتتوقف الحياة تماماً وهي تتطلب ان نتحرك باعلان حالة الطوارئ والبعد عن اي ترف يحدث الان لتدارك الامر بحل مجالس الوزراء بالمركز والاقاليم والمجالس التشريعية وتخفيض الانفاق الحكومي وسحب كل السيارات واقامة حكومة تكنوقراط تتكون من عدد قليل من الوزراء ، فالوضع لم يعد يحتمل الترهل الحكومي الموجود الان ونحن في اقتصاد شدة وظهور الشح في الادوية العلاجية والسلع والمواد البترولية وغيرها وهي مراحل خطيرة والسكوت على ذلك يقودنا الى الانهيار والسودان يقترب منه كثيراً.
التهاون في الأزمات
ويرى استاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين د.محمد الناير ان اعفاء غندور من حقيبة وزارة الخارجية وهو يعد احد اميز وزراء حكومة الوفاق الوطني اداءً وقد تولى ملفات حساسة وشائكة كان لها اثار ايجابية على سياسة السودان الخارجية تحديداً مع امريكا، وكان رفع الحصار الاقتصادي احدها والحكومة قد خسرت واحداً من افضل وزرائها اداءً.
واكد الناير ان الدولة تتهاون في الازمات التي بدأت تظهر الان وتطل برأسها ، فهناك مظاهر لا يمكن السماح بها منها مظاهر الصفوف في محطات الوقود بدأت تتزايد بصورة كبيرة خاصة الجازولين، وانعكس ذلك على المواصلات العامة والصعوبة التي يعاني الناس منها ، كما ان اجراءات الاستيراد بطيئة جداً وانعكاسها على السلع والخدمات خاصة مع اقتراب شهر رمضان.
الحلول متاحة
ويعتقد الناير ان امكانيات السودان تمكنه من معالجة كل هذه القضايا، ولكن رغم دعمنا بالحلول للقضايا الموجودة ولكن لا نجد اذاناً صاغية وهي موجودة ومتاحة، ومنها على سبيل المثال لا يعقل ان ترفق سعر الصرف باجراءات امنية والوقوف موقف المتفرج ولا تعمل على جذب التدفق الاجنبي للبلاد ومصادرها معروفة منها تحويلات المغتربين واشتراطاتها ، ايضاً انشاء بورصة للذهب وهي تحقق اكثر 4 مليارات دولار سنوياً، اضافة الى السعي للحصول على قروض ولكن الافضل ان تعالج عبر موارد ذاتية بالرجوع لبندي المغتربين وبورصة الذهب.
وقال الناير ان قضايا الفساد إن تم حسم ملفها بجد ستؤثر كثيراً على مسار الاقتصاد السوداني والتحول نحو الدفع الالكتروني لمعالجة مشكلة الدفع نقداً.
رباب علي
صحيفة الانتباهه.