الإقالة ليست عقاباُ..!!
يوم أدى القسم وزيراً للخارجية، كتبت بأن هذا ما يُمكن وصفه بوضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، و أن هذا الرجل الذي تم وضعه في وزارة الخارجية ليس سياسياً بارعاً ولا دبلوماسياً ماهراً كما يتوهم البُسطاء، ولكنه من القلائل الذين يتقنون ( فن الحفر).. وقبل عام تقريباً، عندما همست مصادر لصحف الخرطوم عن رغبته في الإستقالة ثم عن تراجعه سريعاً حين علم برغبة رئيس الجمهورية في قبول إستقالته، كتبت بالنص : ما كان عليه أن يتراجع، و ان في إستقالته – أو إقالته – خير للدبلوماسية السودانية..!!
:: وكذلك عندما رفعت أمريكا الحظر الاقتصادي عن بلادنا، كتبت بالنص : رئاسة الجمهورية ثم جهاز الأمن والمخابرات الوطني ثم بعض دول الخليج وإثيوبيا، هي الجهات التي أقنعت الإدارة الأمريكية برفع الحظر الاقتصادي .. أما وزير الخارجية إبراهيم غندور، وهو يملاً الإعلام صخباً وضجيجاً وخداعاُ، فان دبلوماسيته أوهن من أن تحل قضية ورثة يختلف فيها (أولاد عم)، ناهيكم بأن تحل أزمات السودان الاقليمية والدولية، و أن دبلوماسية خارجية غندور خاملة وخالية من روح المبادرة، وكأن المراد بها إكمال ملامح الدولة ونصاب مجلس الوزراء..!!
:: وعليه، مهما إجتهد البعض في تحويله إلى ( ضحية) و ( أيقونة النضال) و ( بطل المرحلة) وغيره من الألقاب التي انهالت منذ مساء الإقالة، يبقى الرأي : لقد تأخر قرار إقالة إبراهيم غندور عن منصب وزير الخارجية (كثيراً).. لقد تأخر قرار الإقالة، وكان يجب أن يغادر هذا الموقع بعد (عام التجريب) مباشرة، وهناك أسباب كثيرة .. ولكن على سبيل المثال الراهن، ولأن الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء، لست بغافل بحيث أظن مع الذين يظنون بان خطابه – في البرلمان وأمام الاعلام – كان من أجل المصلحة العامة أو رحمة بالسادة السفراء و أسرهم أو حرصاً على آداء البعثات الدبلوماسية.. لست ساذجاُ.. !!
:: لوكان حديث غندور صحيحاً، أو لوكان سيادته حريصاً على سفارات السودان، لكتب (إستقالة مُسببة)، بدلاُ عن التهريج.. لست ساذجاً.. وكذلك غندور، ليس ساذجاً ليُعلن – لدول العالم و على الهواء مباشرة – خبر عجز السودان عن توفير مرتبات السفراء و قيمة إيجارات مقار السفارات و منازل أسر البعثات الدبلوماسية، أو كما زعم .. نعم غندور ليس ساذجاً لحد تنبيه الدول – ووكالات الإستخبارات الأجنبية – إلى تردي الوضع الاقتصادي لسفراء السودان وسفاراته، أو كما يزعم .. وكما يعلم مخاطر تجنيد البعثات الدبلوماسية، فان غندور يعلم أيضاً الثغرات التي تتسلل عبرها الإستخبارات الأجنبية إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية ..!!
:: وغندور يعلم بأن المال والسلطة والنساء هي (نقاط الضعف) و أضلاع مثلث التخابر الذي يبتلع ضعاف النفوس ويحولهم من (سُفراء) إلى (عُملاء)، ومن الجهل أن يظنه البعض جاهلاً لحد كشف إحدى (نقاط ضعف السفارات) لأعداء بلادنا على الملأ..علماً بأن غندور – قبل إقالته – عجز عن تقديم قائمة السفراء الذين لم يصرفوا مرتبات (شهر واحد)، وناهيكم عن ( السبعة أشهر) .. للأسف لم يصدق غندور مع نفسه والبرلمان والرأي العام، و يعلم تماماً ( أنه يكذب).. لقد صرفوا – كل السفراء وأفراد البعثات – كل المرتبات في (موعدها تماماً)، و من بنود و موارد أخرى غير (الفصل الأول)، وهذا حديث الغد باذن الله.. وعليه، فان الإقالة ليست عقاباً بحجم ذاك الخطاب غير الأخلاقي، ولكنها بمثابة ( شئ خير من لا شئ)..!!
الطاهر ساتي