بين أكوام الحجارة والركام التي تجعل مهمة الوصول إلى قبر صدام حسين في بلدة العوجة شمال بغداد أمرا شاقا تثير أطلال آخر “عروش” الرئيس المخلوع أسئلة بشأن مكان جثته بعد 12 عاما من إعدامه.
لم تصدق أغلبية العراقيين انتهاء عهد صدام، يقول أبو أحمد (40 عاما) “اعتقدنا أن هذا الرجل لا يموت، كنا نقول إن ثلاثة لا تنتهي: الحرب مع إيران، والحصار، وصدام حسين”
وبعد سقوط بغداد بيد القوات الأميركية في العام 2003 بدأت رحلة البحث عن صدام حسين الذي توارى عن الأنظار لنحو ثمانية أشهر.
وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2006 أعدم الرئيس الذي حكم العراق بقبضة من حديد شنقا.
وفي الليلة نفسها أجبرت الحكومة العراقية عائلة صدام التي تسلمت الجثة على دفنها سريعا في قريته “دون تأخير لأي سبب كان” وفق وثيقة رسمية.
وبالفعل، فقد دفن داخل قاعة استقبال كان قد بناها هو نفسه في بلدة العوجة من دون ضجة.
في شوارع بغداد تنقسم الآراء اليوم بعد 15 عاما من الغزو الأميركي حيال مدى صواب إسقاط النظام السابق من عدمه.
يقر الجميع بأن صدام كان “دكتاتورا مجرما”، لكن البعض يلقبه بـ”الطاغية المحبوب” الذي كان الأمن في البلاد سمة سنين حكمه على عكس أحوال اليوم.
سيق صدام إلى منصة الإعدام وهو ما زال يعتقد أنه الحاكم، لكن كل شيء انتهى لحظة التنفيذ في ذلك اليوم، احتفل شيعة العراق خصوصا الذين عانوا الأمرين في حكمه في الشوارع، لكن عملية إعدامه شكلت صدمة لدى السنة لتزامنها مع أول يوم من عيد الأضحى.
ولاحقا، صار قبره “مزارا لأهل قريته وأقربائه حتى للرحلات المدرسية وبعض الشعراء الذين كانوا يأتون ويلقون قصائد في رثائه”، وفق ما يقول لوكالة الصحافة الفرنسية مسؤول أمن الحشد الشعبي في تكريت جعفر الغراوي.
ويلفت مسؤولون في قوات الحشد الشعبي -وهي فصائل شيعية تابعة لأحزاب برزت بعد سقوط نظام صدام- إلى أن القبر دمرته طائرات الجيش العراقي عقب دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى العوجة في العام 2014 بعدما تمركز مقاتلون داخل القاعة، لكن الحشد كان أعلن في وقت سابق أن تنظيم الدولة هو من فخخ القبر وفجره.
رواية التفجير يؤكدها الشيخ مناف علي الندى زعيم عشيرة البوناصر التي يتحدر منها صدام، والذي قابلناه في أربيل كبرى مدن إقليم كردستان العراق، حيث يقيم حاليا لعدم تمكنه من العودة.
ويقول الندى إن القبر نبش ثم تم تفجيره “من دون أن يوضح المسؤولين عن عملية التفجير لأننا لا نعرف شيئا عن العوجة منذ غادرناها”.
ويوضح الندى أن العوجة اليوم فارغة تماما من سكانها، يحرسها مقاتلون من فصائل الحشد الشعبي، ويمنع الدخول إليها إلا بإذن خاص.
وغادرت عشيرة وأقرباء صدام القرية “قسرا” وفق الندى الذي يبدي تخوفه من العودة في حال سمح لهم بذلك.
ويقول “كنا نظلم وما زلنا نظلم لأننا أقارب صدام، هل يجوز أن ندفع الثمن جيلا خلف جيل لأننا أقارب صدام” الذي يتهم بأنه ارتكب جرائم ومجازر عدة خلال سنوات حكمه لا يزال يتم إحياء ذكراها حتى اليوم.
لكن لا يزال القبر محط جدال.. أين الجثة؟ من أخذها؟ وكيف سحبت من مكانها؟
موضع الجثة
موضع الجثة الحالي لا يزال مجهولا.. يوضح الغراوي “سمعنا روايات أن أحدا جاء بسيارات رباعية الدفع ونبش القبر للثأر لعمه وأبيه اللذين قتلهما صدام، أحرق الجثة وسحلها، ولا نعرف إذا أعادها أم لا”.
ثم لا يلبث أن يتدارك “نعم، نعتقد أن الجثة لا تزال هنا” قرب شاهد حديد كتبت عليه عبارة “قبر هدام كان هنا”.
في الباحة خارج قاعة القبر كان يفترض أن توجد قبور نجلي صدام، عدي وقصي وأحد أحفاده، إضافة إلى ابن عمه علي حسن المجيد الذي كان مستشارا رئاسيا ومسؤولا في حزب البعث، لكن لا أثر لذلك.
ويولد هذا الغموض شائعات كثيرة، فخارج الضريح يهمس أحد مقاتلي الحشد قائلا إن “هناك رواية تقول إن ابنة صدام حلا جاءت على متن طائرة خاصة إلى القرية وسحبت جثة والدها ونقلتها إلى الأردن” حيث تعيش حاليا.
لكن أحد العارفين بالقضية في المنطقة يقول -وقد طلب عدم كشف هويته- إن “هذه الرواية عارية من الصحة ولا أساس لها، أصلا حلا لم تأت إلى العراق”.
ورغم ذلك يؤكد المقرب من العشيرة التي كانت يوما حاكمة بأمرها أن “جثمان الرئيس نقل إلى مكان سري، ولا يمكن معرفة المكان أو الأشخاص الذين نقلوه”.
ويلمح إلى أن القبر لم يقصف بل تم تفجيره، لافتا إلى أن “قبر والده في مدخل تكريت تم تفجيره أيضا”.
جثة صدام إن وجدت أم لا فالأمر سيان للعراقيين، وهم الذين ما زالوا يتناقلون دعابة يؤمن بها البعض بأن “صدام قد يعود، توقعوا منه أي شيء”.
وحتى فترة قصيرة يبدي أبو سرمد -وهو أحد سكان بغداد- اقتناعه بالرواية الشهيرة التي تقول إن “صدام لم يعدم، من قتل هو شبيهه”.
المصدر : الجزيرة