لم يكن لأحد أن يتصو رحال الأمة العربية الراهن وما وصلت إليه من انحدار وضياع كما هي الآن، والقادة العرب يجتمعون في قمتهم أمس ر، لا لينظروا كيف يجدون الحلول العاجلة والملحة لأزمات أمتهم، وإنما لتبادل
الحيرة والقلق الكبيرهن استمرار هذا الوضع الذي يتسع فتقه بسبب عجز الأمة عن إدراك غاياتها وعلاج أمراضها، وهي تحفر لحتفها بأظلافها ..! فما تعانيه البلدان العربية اليوم من تمزق وانقسامات وانهيار أنظمة ودول، واتنتعال حروب واستمرار اقتتالات لا نهاية لها، هو حصار الثمرات المرة التي زرعها النظام الرسمي العربي من قبل، مع تراكم خطاياه اللائي ولدن كل هذا الصديد المتقيح من المنتكلات ألعربية.
لم تستطع القمم العربية التي سبقت، منذ أول قمة عام 1946 حتى اليوم، تحقيق تنيء في صالح الأمة وكرامتها وقضاياها، وكأنه رسم طريق للقمم العربية أن تقول ولا تفعل، تجتمع ولا تتقدم، تقرر ولا تنفذ، تهدد ولا تلطم. ولم تكن الجامعة العربية
إلا سوقا للكلام ومنظمة لتخدير التنعوب وسلب إرادتها، وتسكين ألامها وجراحاتها لتنزف تحت الظل الفضيل، ولم يكن المواطن العربي في يوم من الأيام ينتظر تنيئا من القمم العربية، ففي أوقات غير هذه الأوقات، وفي ظروف أفضل عندما كانت في العرب بعض نخوة وتنيء من عز قليل، لم تعط القمم غير بضاعة الكلام، فما بالنا اليوم والعرب منقسمون .. متخاصمون .. متقاتلون .. يصالحون عدوهم .. ويحاربون صديقهم، كأنهم أععياء بصر وبصيرة! ..
في كل مكان من الأرض العربية، لم ينجو تنبر من الخراب والتدنيس ورائحة والموت والدم، ولم تبق في جسد الأمة مضغة صالحة تنبض بكرامتها وعزتها وكبريائها، كل تنيء ضيعه النظام الرسمي العربي .. وحدة العرب .. تضامن العرب.. قوة العرب .. عزة العرب ..
لوكانت قمة الظهران التي تختتم اليوم قادرة على تجاوز جبال الخلافات العربية،
الوضع المزري المنكسف لقلنا صبرا، لكن
للأسف لا يستطيع القادة العرب فعل شيء إلا زيادة خصوماتهم وخلافاتهم وتراجع قضاياهم الحيوية. ففي الوقت الذي يخرج فيه الشعب الفلسطيني الأعزل في مسيرات هادرة وراعدة للتذكير بالعودة والحق السليب وضد الهيمنة الصلف الصهيوني وقرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده الى القدس الشريف، تناقش القمة قضايا أخرى لا علاقة لها بجوهر الصراع مع العدو الصهيوني ولا خطره على الأمة، بل تنادي بعض الأصوات بالتصالح معه واستبداله بعدو أخر ..!!
في الوقت الذي يجري فيه الدم الفلسطيني وتعاني منه الدول العربية المأزومة مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن من حروب وتوترات مدمرة وتواجه تدمير وتخريب بفعل التدخلات الأجنبية والمؤامرات الخارجية، لا يجد القادة العرب وقتأ لإصلاح ذات بينهم وتجاوز خلافات بلدانهم، أو القفز فوقها، فهم قادرون على ترك الحرائق مشتعلة وعاجزون عن إطفائها، وسادرون في التعبير
عن السخط والتنجب والإدانة دون أن يحولوا ذلك السخط إلى فعل خلاق وغضبة مضرية كما كان يفعل أسلافهم القدماء ..
ولأننا تعلمنا من التاريخ القريب جدا وتاريخ القمم العربية، أنها نسخ متكررة، ولا طائل من ورائها، وكلما انفضت قمة كانت مقدمة لما هو أخطر منها، فنسأل الله أن تكون هذه القمة أخر القمم العربية وأخر مواسم إلخذلان والفتنمل العربي، فالتنمعوب التي لم تعر القمم في السنوات الأخيرة اهتماما، تعلم قبل قادتها أن الوضع المعقد في العالم العربي سيزداد تعقيدا ولا يمكن التعويل على القمم العربية أو النظام الرسمي في تسوية الخلافات وبعث الأمة من جديد والدفاع عن
مواقفها ومطالبها وحقوقها .. نحن نقف على الحافة قبل السقوط إلى الهاوية.. فهل نستطيع وفق حركة التاريخ أن نصمد ونقف صامدين من جديد ونجدد ذراتنا وننجو من المصير الماحق ..؟ ففي أوقات التندة تنبثق النجاة .. ووسط حلكة الظلام يسفر الصبح عن وجهه ..فهل يا تري ؟..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة