قبل أيام طلب مني صديق أجنبي اقتراح مواقع للتنزه يقضي فيها وقت جميل، وكان يتوقع مني ادهاشه ببرنامج ينغمس فيه ويبدد رهق الحياة والتسفار، وينسى كل شيء، قبل أن ألتقط أنفاسي باغتني بالقول “بلاش مولات أرجوك عاوز أروح مكان فيه طراوة” .. يا الله طراوة دي القاها ليك وين؟ قلت في سري المدينة طاردة لا تهب المرح والبهجة، ليس ثمة حديقة حيوانات ولا مهرجان عالمي ولا معرض تشكيلي، ولا دور سينما، ولا أماسي شعرية، ولا صالة رقص، أما شارع النيل فهو مجرد ممر ليلي مخيف بلا اضاءة كافية، وبفضل المعتمد أبو شنب فقد الطابع الأخير الذي كانت تمنحه له (ستات الشاي) .
* لا أعرف ما هى الفلسفة التي تقوم عليها حملات السيد المعتمد، والتي هى أشبه بحملات الدفتردار الانتقامية، تحطم الأواني والمقاعد وتعرض الباعة الجائلين للخطر، فهو أشبه ببلدوزر يكره المباني والأشجار والطراز القديم الذي يبعث الحنين، كما أنه لا يملك حلولا لضحاياه، أكثر من كونه يتركهم فريسة للفقر والضياع، يهدم فقط فكل ما يجيده الهدم والخراب .
* لا تملك المحلية بالضرورة أماكن جيدة للبيع، وحتى الأكشاك النموذجية لا تمنح بالمجان، وتستأثر بها جيوش المحاباة، ويكفي دليل على ذلك أن النسوة المتضررات تتفاقمت عليهن الاضرار، كما أن المعتمديات أخفت حتى أكشاك الجرائد، اقتلعتها بليل، لضرب حركة التنوير والاجهاز على السلطة الرابعة، بدليل أنك لتحصل على صحيفة عليك أن تهاجر لها بلا طائل، وبمرور الوقت تخلى القراء عن الصحف، وتأثرت عمليات التوزيع، ما يعني أن حربه ايضاً تستهدف الصحفيين، وتحاول أن تتخلص من الصحف شيئاً فشيئاً، دون أن تدفع ثمن المواجهة المباشرة .
* المساكين، لا أحد يعبأ بهم في هذا الزمان، أنظر فقط من النافذة كيف هى المدينة متسخة ومغبرة ولا تسر الناظرين، أنها حكومة أكثر ما تفلح فيه الجبايات، تستهويها الجبايات، ولا تبدع أبداً إلا في الجبايات، تدخل يدها عنوة في جيبك وتسرقك، ومن ثم تلقي بك في العراء، أو في صفوف الوقود وصرافات النقود .
* قبل عام تقريبا أقر والي الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين بقصور الدعم الحكومي تجاه البنى التحتية، واعترف بالقول (ما قادرين نوفر الحمام الذي يلائم السائح).. وما لم يقله الوالي أن الحمامات التي تدلف إليها مضطرا بمالك تكاد أن تتقيأ منها، عبارة عن (خرابات) معطنة بالروائح الكريهة، حتى دورات مياه مطار الخرطوم والمولات لم تسلم من ذلك !!
* أنظروا لأبعاد الأزمة، والتي تكمن في قرارات صغيرة، ربما لا يلقي لها المسؤولين بالاً، وهنا أعني قرار معتمد الخرطوم بإغلاق محلات الشيشة، ومنعها في المقاهي العامة .. هذا القرار الإرتجالي والذي يبدو في ظاهره معني بالأثار الصحية للتدخين رغم أنه يسمح باستيراد التبغ ويأخذ الضريبة كاملة، لكنه في حقيقة الأمر يثير هلع السياح الأجانب الذين يدخنون الشيشة ويعتبرون المنع التعسفي امتداداً للشعارات الطالبانية وقوانين النظام العام، وربما الظهور اليومي لدفارات الكشة ومطارداتها يعزز ذات الظنون .. بخلاف أنه يقدم إشارة سالبة، كون الدولة تستخدم سلطة المنع بإفراط، وهنا لا أعني محلات الشيشة ولكن حتى اهمال شارع النيل وانتشار ثقافة الجبايات، وتنويم الخرطوم بالقوة كأنها طفلة صغيرة .
عزمي عبد الرازق