قبل ثلاثة أشهر، كانت لونا تعيش حياتها في سلام كأم لأربعة أبناء، وكمالكة لمتجر بيع الملابس قرب تيغوسيغالبا عاصمة هندوراس. ولكن في غضون أسبوع واحد، انقلبت حياتها رأساً على عقب.
في بداية الأمر، لقي أحد أطفالها حتفه على يد عصابة من الشباب، ثم قتلت العصابة أمها، ثم هددت بالقضاء على بقية أفراد العائلة ما لم تترك منزلها.
تقول المرأة (48 عاما) التي لا تريد كشف اسمها الحقيقي والدموع تملأ مقلتيها “كنت أعيش في قريتي بسلام مع أطفالي ووالدتي.. كان لدي متجر صغير يدر علي دخلا، لكن أعضاء العصابة أخذوا مني كل شيء”.
وأصبحت لونا الآن هاربة من العصابة -وهي واحدة من عصابات كثيرة من الشباب النشط في هندوراس، تعرف باسم عصابات “ماراس”- وتريد مغادرة البلاد، لكنها لا تعرف متى وكيف سيكون ذلك ممكنًا.
واستهدف أعضاء عصابات “ماراس” لونا وعائلتها لأنها رفضت دفع “ضريبة الحرب” (إتاوة)، وهي رسوم تفرضها هذه العصابات بالقوة على أصحاب الأعمال المحلية من أجل تجنب التعرض للاعتداء.
وتكرس هذه العصابات -ومن بين أخطرها عصابتا “باريو 18” و”سالفاتورتشا”- نفسها لأعمال الابتزاز والاتجار بالمخدرات. وكان أعضاء تلك العصابات يعرفون فيما مضى بوشومهم اللافتة للنظر، بيد أنه بات من النادر قيامهم بإظهارها خوفاً من أن يتم التعرف عليهم من قبل الشرطة.
ولقد تسببت عصابات “ماراس” وعصابات الجريمة المنظمة الأخرى في نزوح آلاف الأشخاص في أحد أكثر بلدان العالم عنفاً. وقدّر معدل جرائم القتل في هندوراس بما بين 45 و50 جريمة قتل لكل مئة ألف شخص عام 2017.
ووفقا لمصادر في قوات الأمن، فإن بعض المنازل التي تخلى عنها سكانها الذين تمكن الذعر منهم، تم الاستيلاء عليها من قبل أعضاء عصابات “ماراس” الذين يحولونها إلى مراكز للتعذيب أو القتل، وتعرف هذه المراكز باسم “المنازل المجنونة”.
وقد تمكنت العصابات المتعاونة مع عصابات المخدرات من الاستيلاء على أحياء بأكملها، بل حتى على قرى بأسرها.
ويهيم الكثير من النازحين على وجوههم من منطقة إلى أخرى بحثاً عن ملاذ آمن حيث لا يمكن للعصابات العثور عليهم. وقد كشفت دراسة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك 174 ألف نازح في 20 بلدية فقط في تلك البلاد التي تضم 298 بلدية.
وينطلق آخرون في رحلة خطرة عبر المكسيك قاصدين الولايات المتحدة.. إنهم يخاطرون بالتعرض للاختطاف من قبل عصابات تتواجد على طول الطريق، وحتى إذا تمكنوا من الوصول إلى حدود الولايات المتحدة فقد يمنعون من الدخول بسبب افتقارهم إلى الوثائق اللازمة.
وقدّر مراقب حقوق الإنسان في هندوراس أن 45710 أشخاص فروا من البلاد عام 2016. وحصل أكثر من 10500 منهم على وضع لاجئ في دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وكندا والمكسيك وكوستاريكا.
وأعربت كيلي كليمنتس نائبة مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها إزاء الوضع خلال زيارة قامت بها مؤخرا إلى هندوراس.
وقالت كليمنتس إن الناس يجدون صعوبة في التنقل في أنحاء البلاد وطلب المساعدة، مضيفة أن العصابات تهدد معلمي المدارس وتجند الطلبة،. وعلى سبيل المثال تعرض “برايان” للضرب على أيدي أفراد العصابات الذين لم يعجبهم مظهره، ومنحوه مهلة ست ساعات لمغادرة منزله في تيغوسيغالبا.
ويختبئ برايان الآن في شقة صغيرة بالعاصمة ويأمل مغادرة البلاد، حيث يقول “نقيم بين أربعة جدران طوال خمسة أشهر متواصلة”.، وأضاف بينما ابنه الصغير يلهو في مكان قريب “لم يكن لدي أي نية لمغادرة بلدي.. كان لي وظيفة جيدة وتجارتي في مجال النقل، وكان لدي حياة طيبة”.
ويخفض رأسه ويقول وعيناه مغرورقتان بالدموع “من المحزن أن تكون سجينا على الدوام.. يسألني ابني: لماذا لا نستطيع الخروج لتناول الآيس كريم في مركز التسوق أو ركوب الدراجة في الحديقة؟!”.
وقال جير ميزا المتحدث باسم الشرطة إنهم يحاولون حماية الأهداف المحتملة لعصابات “ماراس” باستمرار وجودها في الأحياء التي تعج بالجريمة، واعتقال أعضاء تلك العصابات، بيد أنه من الواضح أن كل هذا لا يكفي.
وفي شمال العاصمة تيغوسيغالبا حيث فرت العديد من الأسر، يبدو الجو أكثر هدوءا، إلا أن السكان يتملكهم الخوف، وهم يعلمون أﻧﻪ ﺮﻏﻢ دورﻳﺎت اﻟﺸﺮﻃﺔ التي تجوب في الأنحاء ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ، ﻓﺈن عصابات “ماراس” ﻻ ﺗﺰال ﺗتمتع بالقوة، وأنه يتعين طاعة أوامرها إﻻ إذا كنت ترغب ﻓﻲ أن يُحكم عليك ﺑﺎﻹﻋﺪام.
المصدر : الجزيرة