سحر خالد تنفثه تركيا في روع زائرها ومرتادها، فما تنفك روحه ترنو لتلك الربوع وتحن لتلك الديار ، سحر تضج به صباحات انقرة المواراة بالحيوية وامسياتها الدفاقة بالق فريد ،
شوارعها الفسيحة ، اشجارها التي تقف بعزة وكبرياء نهاراً وتزدان مساءً بإضاء خضراء مثيرة للشجن في النفوس ، وفي اسطنبول يهتز زائرها لعبق التاريخ الذي تحفل بها المدينة العريقة بقصورها وقلاعها ومساجدها واسوارها القديمة ، واشجارها الباسقة وازهارها الأخاذة وبحر مرمرة الذي تشرئب امواجه للساحل وتصطفق ذهاباً وإياباً .
وأحببت المطر
كم احببت المطر في انقرة ، يطل ويفارق ليعود من جديد ، يغسل المدينة ويجلوها فتبرق كالمرآة ، فتبدو مصقولة على نحو مبهر ، ما كنت اعبأ بالمظلة بل كنت اسعد بملاقاة المطر وانسه ، ولا انسى ذات يوم داهمنا فيه المطر في طريق عودتنا من وكالة الاناضول إلى (الهوتيل) الذي كنا نقيم فيه ، يتقدمنا زملاؤنا من باكستان ثناء الله خان وفائز تحت مظلة واحدة، بينما انا وزميلتي دايانا من رومانيا في مظلة اخرى ، ديانا اخذت تنشد انشودة وطنية من بلادها وتهز رأسها يمنة ويسرة مع المطر كنت انصت لها واسمع للمطر معاً .
بداية الحكاية
بدأت رحلتي إلى تركيا بهاتف من مكتب مؤسسة التنسيق والتعاون التركية (تيكا) التابعة لمجلس الوزراء التركي بالخرطوم بقيادة جلال الدين قونقنجي حمل الهاتف صوت السكرتيرة النشطة ريم خالد علي التي اخبرتني عن اختياري للمشاركة في دورة تدريبية موضوعها الطاقة (النفط والغاز) ، من تنظيم المؤسسة ووكالة الاناضول للانباء ، لم تدخر ريم وسعاً في التعاون معي في ترتيب وإجراءات السفر، وكان ختامها بلقاء ووداع السيدة الرائعة داريا ممثلة تيكا باسطنبول ، ولئن انتهت زيارتنا في ارض الواقع بمغادرة اسطنبول عائدين للخرطوم إلا ان امتداداتها وظلالها من انقرة إلى اسطنبول باقية في ثنايا العقل والروح للابد.
الزيارة امتدت لنحو اسبوعين للفترة (25 فبراير -10 مارس) ، شملت (21) إعلامياً من عشر دول تنتمي لثلاث قارات هي افريقيا واوروبا واسيا ، ومن ضمن البرامج الموضوعة للزيارات زيارة المقر الرسمي ل (تيكا) بانقرة ، وبالرغم من الجدول الضاغط للبرنامج التدريبي ظفرنا بسويعات للسياحة والترفيه في العاصمة أنقرة والمدينة التاريخية اسطنبول ..
مدينة الجزر
أولى زياراتنا رتبتها لنا وكالة الاناضول إلى مدينة بي بازاري على بعد ساعتين من انقرة ، وبجانب التجول في السوق الاثرية للمدينة السياحية تضمنت مهمة صحفية تمثلت في التقاط ثلاث صور تشمل الجوانب التاريخية والاقتصادية للمدينة ، وتعرف بي بازاري بانها مدينة الجزر ، باعتباره المحصول الزراعي الاول فيها ، ففي قلب المدينة يوجد نصب ضخم لثلاث جزرات ، كما تنتشر في السوق محال عصير الجزر فضلاً عن الجزر المعروض للبيع، ويوجد بها نبع ماء مشهور ،ومسجد السلطان علاء الدين الذي يعود بناؤه لاكثر من الف عام .
وتبعد مدينة بازاري عن انقرة 98 كيلومتراً وترتفع 700 متر فوق سطح البحر. وتتميز بتاريخها العريق الذي يفوح من منازلها التاريخية التي بنيت في العهد العثماني، وبمتاحفها الأثرية المبنية على طراز العمارة العثمانية، كما تتمتع أيضاً بطبيعة خلابة .
اسطنبول
اخر يوم للدراسة كان الجمعة التاسع من مارس ، وفي الصباح الباكر من يوم السبت التالي غادرنا إلى مطار اسطنبول ، في العاشرة صباحاً اقلعت طائراتنا وودعنا انقرة البهية ، ووصلنا اسطنبول في الحادية عشرة صباحاً حيث استقبلتنا في المطار مندوبة (تيكا) المتميزة داريا ، وفي الطريق إلى اسطنبول تستشعر عبق التاريخ عبر المباني العريقة والاسوار العتيقة ، والمساجد والقصور ، انها القسطنطينية التي يعود تاريخها إلى عام 680 قبل الميلاد، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية تاريخياً، التي اتخذت اسم «إسلامبول» و«الأستانة» بعد سيطرة العثمانيين عليها، وتطل اسطنبول على السواحل الشمالية لبحر مرمرة ، وبجانب تاريخها الآسر فاسطنبول تحفة الطبيعة التي اغدقت عليها بالمياه والاشجار والازهار .
توب كابي
في البص خيرتنا داريا بزيارة مسجد ايا صوفيا واحد الاسواق التراثية في اسطنبول فكانت نتيجة التصويت لصالح ايا صوفيا ، انطلق بنا البص إلى ان وصلنا لمدينة القسطنطينية حيث تناولنا الفطور في احد المطاعم المميزة ، ثم انطلقنا صوب قصر السلطان محمد الفاتح الثاني وهوبجوار مسجد ايا صوفيا وللاسف لم نتمكن من دخوله لدواع تتعلق بالترميم والصيانة . فكانت وجهتنا الاساسية قصر السلطان محمد الفاتح الثاني احد اهم القصور التاريخية ،و كان الدخول إليه بالصفوف من شدة ازدحام السواح والزوار ، وكانت داريا مرشدتنا تحدثت لنا اهمية الموقع الاستراتيجية وكيف ان السلطان محمد اتخذه مقراً لإدارة الامبراطورية العثمانية من هذا القصر الذي تبلغ مساحته نحو (700) الف متر مربع ، ويضم القصر ثلاثة مواقع اساسية مجلس السلطان محمد والمتحف الذي يضم بعض آثار الرسول صليى الله عليه وسلم وبعض من الصحابة رضوان الله عليهم ، وجناح ضخم يضم المطابخ وجناح ثالث للحريم.
متحف الآثار النبوية
وفي المتحف الذي يضم آثار الرسول صلى الله عليه وسلم طالعنا وعاء الشرب الخاص به ، ورسالته إلى المقوقس حاكم مصر واثر قدمه الشريفة ، وقوسه وسيفه أيضاً ، بجانب عمامته وجبته وحذاؤه وسيفه وختمه ، بالإضافة إلى مفتاح الكعبة الشريفة ،كما وجدنا وعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام وعمامة سيدنا يوسف عليه السلام ، ومصحف عثمان بن عثمان رضي الله عنه ، ورداء للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها , ولكن للاسف فان التصوير ممنوع إلا باذن ولم يكن معنا الوقت الكافي لذلك .
ايا صوفيا
وفقاً للمواقع التركية المهتمة بالتاريخ فقد بنى الإمبراطور قسطنطين الأكبر كنيسة آيا صوفيا عام 360م، وسميت في البداية باسم الكنيسة الكبيرة، ثم سميت بعد القرن الخامس هاغيا صوفيا أي (مكان الحكمة المقدسة) .
بعد فتح القسطنطينية، أمر السلطان محمد الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد خلال ثلاثة أيام، وقد كان ذلك لحاجة المسلمين لأداء الصلاة الجماعية في منطقة تخلو تماماً من المساجد والجوامع، مع الظروف الطبيعية للمدينة من الطقس البارد، أدت هذه الظروف لإصدار فتوى من علماء الإفتاء في الدولة العثمانية تجيز تحويل الكنيسة لمسجد والاستفادة منها بدلاً من تركها على حالها المهجور.
أنقرة : اسطنبول : ندى محمد أحمد
صحيفة الانتباهه.