خَبرٌ مُثيرٌ وَرَد في أولى صفحات إحدى الصحف اليومية أمس يُشير إلى تقديم امرأة لطلب طلاق بمحكمة في شمال كردفان تُطالب فيه بالخَلع من زوجها لأغرب سبب، حيث ادّعت أنّه (بعاتي)، وتابعت سرد قصتها وسط ذهول ودهشة الحضور قائلةً: (اختفى زوجي ولم يعد خلال المدة المحدّدة وقد أُبلغت بخبر مقتله في ظروفٍ غامضةٍ واستلمت جثته وتم دفنه وبعد انتهاء فترة العُدة تم تقسيم ميراثه)، وأضافت: (تقدم لخطبتي شخصٌ آخرٌ وفي يوم الزواج عاد زوجي المتوفي ليخبرني بتعرُّضه لحادث في منطقة خلوية)، وزادت: إنها تقدمت بطلب الطلاق هذا لكثرة التغييرات التي طرأت عليه في المظهر الخارجي والنطق وأنّها تخاف العيش معه!!
(1)
بالمُقابل، نجد أنّ الأساطير ظلت تؤكِّد أنّ هناك عدداً كبيراً من القبائل السودانية تدل آثارها وأحاديث كبارها على أنّ هناك أُسراً تكرّرت لديها قصة الحياة عقب الممات والذين يُطلق عليهم أسطورياً مُسمّى (البعاعيت)، وأنّ هؤلاء المتوفين تنبعث أقرانهم عقب موتهم، لكنهم لا يعودون للعيش مع أُسرهم، وهو ما ظل يُثير جدلاً كبيراً داخل المُجتمع السوداني.
(2)
الجدة أم مسلمة زينين قالت في حديثها لـ (كوكتيل)، إنّ هذه روايات، أبطالها أناسٌ عادوا للحياة بعد موتهم وأنّ هناك طلاسم قديمة تُشير إلى وجود أماكن كانت مسرحاً لهذه الروايات، وتابعت: (ربما ارتبطت بقبائل مُعيّنة، لكن الأساطير في مُجملها تُؤكِّد أن (البعاتي) قرينٌ (شئ يتشبّه بشكل الميت) يأتي ليأخذ أغراضه ويذهب بحيث لا يعود للعيش مع أُسرته من جديد، لأنّه ليس حقيقيّاً، وحقيقةً لا أحد يستطيع تأكيد هذه الادعاءات)، وتابعت: (زمان قالوا لينا في راجل بعد ما مات بخمس سنوات تبيّن أنّه عايش وشغّال تاجر، لما أهلوا مشوا ليه لم يتعرّف عليهم.. في ناس قالت دا شبه.. وناس بقوا مُصرِّين إنّو مافي شبه لدرجة الزول يكون نسخة من التاني.. والله أعلم).!
(3)
حين تحدثت إليه حول الموضوع بدت الغرابة تعلو وجهه، لكنه ابتسم بغتةً وقال: (يا بتي دي خرافات ساي في زول بموت وبرجع يعيش تاني)؟! وواصل الحاج قسم الله عبد الباري حديثه لـ (كوكتيل): (سمعنا بهذه الترهات وسارت عدد من القبائل اثرها، والروايات تقول إن هناك أُسراً اضطرت لمغادرة بعض المناطق خوفاً من البعاعيت أو السحاحير)، لكن لم يتمكّن أحدٌ من إثباتها.. (زمان بقولوا بقوموا ريحتهم عفنة وعندهم ضنب وأنهم بجوا بعد تلاتة أيام بشيلوا حاجاتهم وبمشوا)، وأضاف: (قديماً آمن بظهورهم الكثيرون بحيث أنّ هناك روايات تقول إنّ بعض الأُسر كانت تقوم بوضع أغراض موتاها خارج المنزل في اليوم الثالث، لكن الأغرب أنّ هذه الأغراض تختفي فيعتقدون أنه من قام بأخذها).
(4)
(زمان كانوا بسمُّوهم ترب البنية)، عبارة ابتدرت بها الحاجة ست الجيل حديثها، وحول حقيقة هذه الأساطير قالت: (إنّ البعاتي أو السحار) كانوا يستدلون عليه بامتناعه عن شُرب اللبن، وأيضاً الحشرجة الواضحة في صوته).
أمّا الباحثة الاجتماعية عبير الشيخ فقد قالت بدورها، إنّ خرافة (البعاتي) وجودها لا يقتصر على السودان، فحالياً السينما الخيالية في العالمين الغربي والعربي اعتمدت على أفلام المُستذئبين ومصاصي الدماء والوحوش القريبة وقصص الانتقام بعد الموت جعلت البعض يؤمن بوجودها، وواصلت: (لا يُمكن للعقل السليم التصديق بهذه الخرافات المنقولة بين الأجيال، وغالباً تخيل وجودها والخوف منها يكون مرضاً نفسياً أطلق عليه العلماء (الهلوسة).. وهناك تشخيصٌ آخر لحالة أشبه بالقرين، لكن في علم النفس سُميت بـ (انفصام أو ازدواج الشخصية) أي وجود عدد من السُّلوكيات المُتناقضة لدى نفس الشخص وأسبابها كثيرة).
تقرير: خولة حاتم
السوداني