حتى لا يفلت أحد ..!

يترتب على إعلان السيد رئيس الجمهورية أكثر من مرة .. الحرب على الفساد، وبروز وتوفر الإرادة السياسية وقوة عزيمتها على ذلك، أن يتم الشروع فوراً في تعديلات للقوانين والتشريعات المتعلقة بظاهرة الفساد، وإتمام إجراءات تشمل الأجهزة العدلية وجهات أخرى في الدولة لجعل حديث السيد الرئيس واقعاً يراه الناس يمشي على قدمين ..

فلو أُطلقت يد أجهزة الدولة لملاحقة الفساد والمفسدين، وتم تفعيل القوانين، لتحقق قدر كبير من الانتصار على ناهبي الأموال وآكلي السُّحت ومُخربي الاقتصاد الوطني، لكن ثمَّة أمور ليس واضحة بعد، بشأن القوانين التي ينبغي سن نصالها في هذه الحرب المُعلنة، مثل قانون مفوضية مكافحة الفساد، وقانون الثراء الحرام والمشبوه، وتفعيل مبدأ من أين لك هذا؟، فكلها قوانين تصطدم بعقبات كأداء في شمول نصوصها وعند تطبيقها، فلابد من إصلاحها وتعديلها على الفور لمواكبة ما يحدث الآن .

من قبل عند إجازة قانون مفوضية مكافحة الفساد ثار جدل كثيف حول المادة (25) من القانون، المتعلقة بالحصانات التي يتمتع بها حوالي 50% من العاملين في الدولة، ولا نريد هنا الرجوع إلى ذلك الجدال، لكن لابد من التسليم بأن مكافحة الفساد والحرب على كل صوره وأشكاله. وبالنظر إلى ما وصلت إليه الأوضاع وتنامي حالات الاعتداء على المال العام والاختلاس والتزوير واستغلال النفوذ وتلقي الرشى والابتزاز وغيرها من أشكال الفساد المالي داخل مؤسسات الدولة وغيرها وتسهيل عمل الشبكات الإجرامية المتهمة بالولوغ في عمليات فساد وفساد ضخمة، لابد من إلغاء الحصانات كافة، ومن كل المستويات حتى تتمكن الجهات العدلية من تطبيق القانون والمساءلة والمحاسبة والتحري والتقصي، ويستطيع القضاء الفصل في قضايا الفساد.

إذا كان الفساد نخر في عظام الدولة ومؤسساتها ويكاد يجعلها عرضة للسقوط، فإنه ارتبط في جوانب كبيرة منه بعمليات استغلال النفوذ ونهب المال العام والتعدي عليه، فإن الحصانات الممنوحة للدستوريين والبرلمانيين ومنسوبي القوات النظامية والقضاة والعاملين في الأجهزة العدلية كالمستشارين ووكلاء النيابات وغيرهم، هي عائق فعلي للعدالة ولا تتسق مع توجُّه الدولة في محاربة ظاهرة الفساد، ولا يمكن الحديث عن مكافحة هذه الظاهرة العالمية إلا استحسان واستئناس ما اتفق عليه دولياً في شأن محاربة الفساد وتحقيق مبائ الشفافية والحكم الرشيد .. فالحصانات تمنع لشاغلي المواقع المذكورة أثناء تأدية أعمالهم مثل رجل الشرطة الذي يُعترض في حالة قيامه بأيٍ من واجباته، ولكن ليس عندما يرتكب جُرماً أو مخالفة، وهكذا فهي مرتبطة فقط وفي إطار محدد للغاية، ولا يجوز التمتع بها على الإطلاق في حال التحري والتقصي لمعرفة الحقيقة عند ارتكاب جرم ما، وجُنحة لابد من التحقيق فيها ورفعها للقضاء .

جانب آخر مهم للغاية لا يتعلق بتفعيل القوانين ونجاعتها في الحد من هذه الظاهرة، وهي الأنماط والأساليب التي ترتكب بها جرائم الفساد المنظمة، وهناك جرائم كبيرة من الصعب التعامل معها بسهولة، خاصة المتعلقة بالعطاءات والسمسرة الدولية وأخذ العمولات في المشتريات الكبيرة المتعلقة بالدولة في قطاعات حيوية ومهمة كالأدوية وقطع الغيار في مجالات النقل والطيران والمستلزمات القتالية والبترول والتعدين وغيرها، وهي جرائم إذا تمت ملاحقتها لابد من رصدها بدقة من الداخل والخارج وتتبع مسارها وكيفياتها، وقد لا تترك الشبكات الفاسدة التي تتعامل في هذه المجالات أثراً تراه العين، أو تترصده المتابعات ولا توجد أية أدلة عليه في سجلات المراجعة العامة، وغالباً ما يكون كبار المسؤولين في المؤسسات المعنية هم من تحوم حولهم الشبهات ..

ليس من العسير على الإطلاق محاربة الفساد والقضاء على جزء كبير منه، لكن ذلك يتطلب تغييرات هائلة في القوانين وتطبيقاتها وفي أجهزة الدولة، مع توفر الإرادة السياسية وصلابتها وقوتها، ومتابعة الرئيس الشخصية لهذا الملف الكبير والتدقيق فيه ، وأن يعمل بتوجيهاته وقراراته بشحذ همم من يقع عليهم عبء التنفيذ حتى تنتهي هذه الظاهرة وتنهض البلاد من كبوتها ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version