“استمرار المعاناة” عندما رفعت العقوبات الاقتصادية..استبشر المواطنون خيرا، ولكن بعد أشهر.. كيف تحولت الأرباح إلى خسائر؟

ستة أشهر من المعاناة ربما يمثل هذا الأمر التوصيف الأبلغ لواقع سودان ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية في أكتوبر من العام الماضي حين أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمر الخاص برفع العقوبات المفروضة على السودان منذ ما يزيد عن العشرين عاماً, قبل أن يجف حبر التوقيع الرئاسي الأمريكي كانت قيادات في الحكومة تبشر مواطنيها بانتهاء أوقات المسغبة وتفتح الباب على مصراعيه أمام الأحلام في حياة وردية، وبالطبع في واقع اقتصادي مستقر وأن الأمر من شأنه أن يعدل الاختلال في معادلة البلاد الاقتصادية، لكن كيف يبدو حال البلاد وواقعها بعد نصف عام من القرار الأمريكي والترحيب الرسمي في الخرطوم؟

1

وبعد أن ظن السودانيون أنهم تجاوزوا الاصطفاف من أجل الحصول على المشتقات البترولية عكست صورة الأيام الفائتة صورة مختلفة بل إنها أعادتهم ثلاثين عاماً للوراء، فالأزمة التي قالت الحكومة إنها جاءت لتضعها في رفوف التاريخ بدت ماثلة للعيان وعادت بصورة أشد الأزمة في المشتقات البترولية يربطها البعض بالأزمة الاقتصادية في عمومياتها والتي بدأت تظهر عقب قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن البلاد، وهو الأمر الذي اعتبره البعض ضغطاً على العملة المحلية، وهو ما أكد في نهاية المطاف أن الأزمة لم تكن في العقوبات المفروضة من البيت الأبيض وإنما هي نتاج سياسات البيت الداخلي، ففي ظل تراجع الإنتاج والاعتماد شبه الكامل على الجبايات وارتفاع مستويات الفساد قللت من إمكانية الاستفادة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد وحولت المشروع برمته إلى محض دعاية ذات بعد سياسي.

2

بالطبع لم يكن توظيف قرار رفع العقوبات الاقتصادية بأنه نهاية الأزمات ليستمر سريعاً حتى بالنسبة للمؤسسات الرسمية التي سرعان ما أعادها الواقع ان الامر لا يمكن الاستفادة منه ما لم تتكامل معه عوامل أخرى تقود في نهاية المطاف لتحقيق غايات الدولتين من علاقتهما مع بعض، وهو امر لا يمكنك حصره في سياق العلاقات ذات الطابع الاقتصادي رغم ان الكثيرين يرون في إقرار ترامب رفع العقوبات عن الخرطوم تعبيرا عن حالة اختراق في المشهد بين واشنطن والخرطوم، وانه خطوة يمكن البناء عليها في سبيل المضي الى الأمام، وبالطبع فإن أحوج ما تنتظره الخرطوم الآن هو قرار آخر ينتهي برفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب وهو الأمر الذي تحاول لجنة الحوار السوداني الأمريكي إنجازه في الوقت الراهن، وهو أمر لم يبرح نقطة التباينات الأولى بحسب متابعين لمشهد العلاقات السودانية الأمريكية.

3

عقب قرار إعلان رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، قللت المعارضة من الخطوة ومن تأثيراتها بل أن معظم مكوناتها تعاملت بلا مبالاة وهي تردد عبارة ان العقوبات المفروضة على البلاد ليست عقوبات من الخارج وإنما هي في الأساس نتائج فشل السياسات الداخلية وأن قرار رفعها لن يأتي بنتائج إيجابية على معاش السودانيين، بل ان البعض اعتبر قرار رفعها تسوية للتعاون الاستخباري المتبادل بين البلدين وهي أسباب كافية، لأن تقلل من النتائج المترتبة عليها.
بالنسبة للمعارضة فإن الواقع الماثل الآن يؤكد على عدم جدوى رفع العقوبات في ظل ثبات سياسة النظام على حالها وان التنازلات الأولى من شأنها ان تفرض على الخرطوم المزيد من التنازلات، وهو الأمر الذي أكدته الوقائع اللاحقة في أيام ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية فسرعان ما عاد صوت واشنطن وهو يطالب النظام الحاكم في الخرطوم بمزيد من الإصلاحات على المستوى السياسي والقانوني، وبالطبع إعادة النظر في التعامل مع ملف قضايا حقوق الإنسان واحترامها.

4

كانت الضجة التي أعقبت زيارة نائب وزير الخارجية وما أعقبها من جدل يتعلق بالطلب الامريكي في تعديل قانون الأحوال الشخصية وهو الأمر الذي تم رفضه عبر مؤسسات دينية في البلاد، وهو ذات الامر الذي انطبق على قانون النظام العام والمطالبات الأمريكية المتعددة لإلغائه، وهو ما يعتبر تدخلاً في الشوؤن الداخلية للسودان، وبالطبع يتداخل مع الرغبة الأمريكية المتصلة في فرض سيطرتها ووصاياها، على كل، لم تكن عملية رفع العقوبات الاقتصادية سوى نقطة الانطلاق نحو المزيد من المحاولات الأمريكية للحصول على المزيد من المكاسب في معادلة تواصلها مع الخرطوم وفقاً للمنهج (البراغماتي)، وللمفارقة هو ذات المنهج الذي أكدت اللجنة المكلفة بالحوار مع امريكا انه هو الذي تتعامل به في سبيل انجاز الطريق نحو المستقبل الذي يسوده التعاون. لكن المشهد في نهاياته وبعد ستة أشهر من إعلان ترامب قراره القاضي برفع العقوبات عن السودان تخبر به الوقائع الاقتصادية الماثلة الآن وتؤكده حالة التباين على المستوى السياسي وبالطبع فإن استمرار وجود السودان تحت قائمة الدول الراعية للإرهاب وعدم البدء في المفاوضات الخاصة بالسعي لتجاوزه، يؤكد على فرضية واحدة هي أن الطريق ما زال مليئا بالأشواك، وان الوصول إلى بر الأمان ما زال يحتاج المزيد من الحراك.

الخرطوم – الزين عثمان
اليوم التالي.

Exit mobile version