مكبات النفايات.. بمحلية أم درمان..
إعادة تدوير الحياة..!!
* (طعمية) تتم صناعتها من (القرقوش) الذي يتم استخراجه من النفايات..
* مطاعم وأطعمة ملوثة، لا تخضع لمعايير الصحة العامة ورقابة المحلية
* “سلسيون” وخمور بلدية على قارعة الطريق
بسوق النفايات.. أدوات كهربائية، سباكة مخلفات طعام (القرقوش)، مياه غازية منتهية الصلاحية، ملابس وأحذية
من هنا حيث تكتمل دورة الأشياء وتفنى، وتلفظ أنفاسها الأخيرة وتموت في مكبات النفايات، تبدأ حياة جديدة لآخرين يبحثون عن لقمة خبز، خرقة قديمة مازال بها بقايا احتمال (ستر)، أو قطعة بلاستيك يمكن أن يُعاد تدويرها، حيث تلوح نفاجات للخروج من دائرة العوز، ويبقى بعض الأمل بأن تمضي الحياة وإن شابها بعض القلق والمخاطرة.. (الغبار الذي تثيره عربات النفايات يعني لنا أن هناك رزق يلوح في الأفق.. نتسابق حينها للحصول على ما تجود لنا به..) هكذا بدأ (عثمان) حديثه أثناء انشغاله بالبحث في تل من القمامة يمتد أمام ناظره.. ومضى قائلاً: هنا نبحث عن كل شيء، وفي هذه الأيام تحديداً أصبح لكل شيء قيمة مادية، وكل شيء من الممكن إعادة تدويره، أعيش بالقرب من المكب، نصحو على أصوات محركات ناقلات القمامة الضخمة، ليبدأ يوم جديد من الترقب والانتظار.. حياتنا تدور أحداثها هنا ونتمنى أن لا تكتمل هنا..
واقع مختلف
رغم ضغوط الحياة ومرارتها ومعاناة البعض في الحصول على طريقة كريمة للعيش، يظل البقاء للأكثر صبراً، والأكثر قدرة على التكيف، لكن لدرجة أن يعتمد أحدهم على النفايات مصدراً للحصول على لقمة عيشه، ربما يعني هذا أن الإنسانية في خطر.. جيوش خفية من الأطفال، الصدفة وحدها من تجعلنا نلتقي بهم، بينما يظل عالما مجهولاً بالنسبة لكثير من الناس، لكن يظل عالماً حقيقياً وإن توارى عن أنظارنا، بشر في كامل إنسانيتهم يسترزقون ويتغذون على انقاض مكب النفايات المركزي بأم درمان، لم تكن المشاهدات والإفادات وحدها كافية لمحققي (الجريدة) لنقل ما يدور من مشاهد وانحرافات في بيئة عمل مكتظة بـ(الشماسة) وعمال القمامة من داخل المكب بحي العرب، حيث عاش المحققان التجربة كما ينبغي لها أن تكون، اقتحاما من خلالها عالماً ظل بعيداً عن المطالبات الحقوقية، الانسانية والاجتماعية، أطفال وشباب تحاصر وجودهم الكثير من المخاطر الصحية، الاجتماعية والنفسية.. في ظل غياب تام للدولة..
سوق النفايات
تمتلئ شوارع الخرطوم نهاراً بالعشرات من الأطفال، في رحلة بحثهم عن نفايات قابلة لإعادة التدوير، لكن في الغالب رحلة البحث ورهقها لا تعادل ما يتم جمعه مساءً، ربما هذا أحد الأسباب التي جعلت (عثمان) يهجر الشوارع، إلى مصدر آخر أكثر قدرة على تلبية حاجاته المتزايدة.. ليستقر به المقام في (سوق النفايات) الذي يقع حول محطة تجميع النفايات، وسط أم درمان بحي العرب شمال غرب المنطقة الصناعية، حيث توجد محطة ضخمة لتجميع النفايات على مساحة واسعة تقارب ملعب كرة قدم تُجمع فيها أوساخ أم درمان بمحلياتها الثلاث، ومن ثم يتم نقلها للخارج، حيث يقام على أنقاض هذه المحطة أسواق ضخمة من خلال التحايل والعشوائية في (كب) النفايات خارج المساحة المخصصة لها، حيث يتسابق صغار الباعة والباعة الجائلين إلى عربة النفايات عند وصولها المحطة للبحث والغوص داخل أكوام النفايات والأوساخ، للعثور على سلع نفايات يتم عرضها من قبل (الفريشة)، أدوات كهربائية، أدوات سباكة بالية، مخلفات طعام (القرقوش)، مياه غازية منتهية الصلاحية، ملابس وأحذية وكل ما يستخرج من تلك الحاويات النتنة التي تجبر على التقيؤ.
بيئة متردية
من قادته الظروف للدخول إلى هذه الأمكنة سيصاب بالدهشة، أجناس مختلفة من البشر جمعتهم ظروف مختلفة من شتى بقاع السودان، شكلوا مجتمعاً له قوانينه وعاداته وتقاليده، وأسواره التي تمنع دخول الغرباء حيث ظللنا أياماً ونحن نحاول الدخول إلى عالمهم، مختلف الأعمار أفراد وجماعات يمثلون أسراً، منهم من يقيم جوار المحطة في منازل من (الشوالات) بينما يفترش آخرون العراء، في بيئة محفوفة بالمخاطر، يتم تعاطي “السلسيون” والخمور البلدية على قارعة الطريق، إضافة إلى الروائح الكريهة والغبار المنبعث من طواحين البلاستيك، والمطاعم المجاورة والأطعمة الملوثة، التي في الغالب لا تخضع لمعايير الصحة العامة، وما يدور بداخلها قد لا يخطر على بال المحلية والجهات الصحية التي تجتهد في مراقبة المحال التجارية المغلفة بالزجاج، وتتناسى أن بالهامش إنسان يحتاج للرعاية.. الطعمية تقع في إطار المتاح من الأطعمة التي يتناولها قاطنو (المكب) جميلة المنظر كبيرة الحجم، بعد تناولنا جزءاً منها لاحظنا أسفل (التربيزة) كمية (القرقوش) التي يتم استخدامها في صناعة (الطعمية)، إضافة لتلوث الشاي والقهوة مباشرة قبل أن تصل لمن يستهلكها بسبب الغبار المنبعث من الطواحين، لكن البقاء لأيام في المكان يجعل المحاولة أمراً ممكناً، والقهوة مستساغة، أو على حد تعبير (عثمان): هكذا تمضي حياتنا. .
أم درمان: محمد عوض – إسماعيل عبدالله
صحيفة الجريدة