السودان يعوّل على الثروة الحيوانية لتعزيز أمنه الغذائي

يقول وزير الثروة الحيوانية السودانية، بشارة جمعة عبدالله، في مقابلة موسّعة مع “العربي الجديد”، إن استراتيجية بلده ترتكز على هذه الثروة لتحقيق الأمن الغذائي، وتخفيف حدة الفقر، ودعم صادرات اللحوم وصناعة الألبان، من أجل تحقيق قيمة مضافة.

* حدثنا عن قطاع الثروة الحيوانية في السودان؟
بطبيعة المناخات المتعددة، فإن الثروة الحيوانية منتشرة في كل بقاع السودان، كما أن تلك الطبيعة أدت إلى أن يكون المجتمع السوداني مهتماً بتربية وامتلاك الثروة الحيوانية. كما أن تربية الحيوان ثقافة متجذرة عند كثير من قبائل السودان وتجمعاته السكانية، وتعد إرثا موروثا بالنسبة إليها.

* بمعنى أنها تمثل غذاء لكثير من أهل السودان؟
الثروة الحيوانية تشكل ضلعا أساسيا في توفيره، لذا تكتسب أهمية قصوى، وعلى هذا الأساس أشارت المنظمة العالمية لصحة الحيوان، ونحن أعضاء فيها، إلى أن الثروة الحيوانية هي بضاعة عالمية عامة، وهي السلعة الوحيدة التي لا تفسد وتجد رواجاً في كل مكان.

* وهذا ما يجعل العالم يولي هذا القطاع أهمية خاصة؟
نعم صحيح، والذي يدل على ذلك هو أنها تحقق قيمة مضافة وميزة نسبية لا توجد في بقية القطاعات، ومن هذا المنطلق وضعنا استراتيجية جديدة تقوم على الاهتمام بالقيمة المضافة، بعد أن تلقينا طلبات كثيرة من دول عربية وأفريقية وآسيوية وأوروبية وأميركية للاستثمار في هذا المجال.

* لكن لا تزال النظرة الداخلية تقليدية إلى القطاع، فكيف يتم التطوير؟
لدينا دراسات سترى النور قريباً، نسعى من خلالها إلى تنظيم هذا القطاع، بخاصة في ما يتعلق بالمراعي ومشكلات التداخل مع الزراعة، ونحن الآن في إطار تنظيم المراعي، لأن غالبية المساحات في السودان مراع طبيعية.

* ما هي طبيعة هذه الدراسات؟
دراسات علمية لتحديد المسارات في مساحات كبيرة ندخل فيها الري المحوري ومحطات تزويد المياه وعيادات بيطرية متحركة، كما أننا في مجال المسارات الطويلة نسعى إلى اتخاذ محاور لزراعة الأعلاف في فترة الصيف، ويمكن تسخيرها لتوفير العلف في فترة الجفاف. كما تستهدف الاستراتيجية نثر البذور في الغابات والمراعي الطبيعية لتجويد المرعى وتقوية نوعية الأعلاف من أجل تحقيق قيمة غذائية.

* هل هذا يكفي لفض الاحتكاك بين المزارع والمرعى؟
أعتقد ذلك إذا أضفنا إليها الجانب الصحي، مزوداً بمصانع اللحوم والنيتروجين لحفظ النطف، من أجل التلقيح الصناعي، لزيادة الإكثار، فهنالك إرادة متوافرة وطموح للدخول في شراكات مع الولايات المنتجة لتحمل المسؤوليات حتى تنفذ كل ولاية سودانية ما يليها من مهام ومطلوبات. وبذلك نكون قد جهّزنا المناخ للمستثمرين الوطنيين والأجانب.

* هل ترى هذا كافياً لجذب الاستثمار؟
طبعاً، إنها بداية لواقع جديد لقطاع الثروة الحيوانية، ونمط حديث لتربية الثروة الحيوانية بطريقة تواكب ما يحدث في العالم، باعتبار أنه يتجه نحو منتجات الثروة الحيوانية التي تدخل معظمها في الأمن الغذائي.

* هل هنالك تعتيم في التقديرات التي يحظى بها السودان؟
ليس تعتيماً، بل الأمر يتعلق بالإحصاء في هذا المجال. وبحسب آخر إحصاء تم في سبعينيات القرن الماضي، تزيد الثروة الحيوانية بمختلف أنواعها عن 108 ملايين رأس، وكل ما حدث بعد ذلك هو إسقاطات، ووفقا لتلك الإسقاطات، فهي في زيادة بين 30 و40 مليون رأس.

* ألا تعتقد أن الأساليب التقليدية في تربية الماشية هي مشكلة تعترض النهوض بالقطاع؟
حوالى 40% من سكان السودان يمتلكون ثروة حيوانية، وحوالى 60-80% من المجتمع السوداني يعتمد في سبل كسب عيشه على هذه السلعة.
والسودان يُسمى دولة “الضأن”، ولو جمع الموجود من الإبل في السودان والصومال، فإنه يكفي 70% من حاجة العالم، وكل الإجراءات التي نقوم بها حالياً سوف تحقق غرضها قريبا بدخول منتجات جديدة لأجل التصدير، وليس للإنتاج المحلي أو التفاخري، وكل هذا سيتم تدريجا.

* هل هذا يعني وجود شراكات مع دول لتغيير النمط السائد حالياً؟
نعم. الآن بدأت بعض الشركات الأميركية بتنفيذ مشاريع كبيرة في إطار تربية الأبقار للتسمين، بغرض التصدير، كما أنها تعمل على زيادة منتجات الألبان، وهذا ما سيفتح الأبواب أمام مستثمرين آخرين.
ونحن الآن نناقش أيضا مع بعض الشركات (لم يُسمّها) مسألة الاستثمار في الشحوم الحيوانية، إضافة إلى الاستثمار لإنتاج الغاز من مخلفات وروث الحيوانات، بجانب إنتاج بعض الأدوية.

* ما هي أبرز الدول التي تتعامل مع الثروة الحيوانية؟
أهمها قطر والإمارات والسعودية والأردن ودول المغرب العربي ودول أفريقية (نيجيريا)، والآن دخلت دول أخرى، مثل تركيا. وكل هذه الدول تستورد من السودان.

* لكن الحكومة قررت في الآونة الأخيرة وقف صادرات الماشية الحيّة؟
إن وقف تصدير اللحوم الحية لن يتم مباشرة. فلا بد من تهيئة البيئة والبنية التحتية أولا، على الرغم من قناعتنا بأن تصدير اللحوم المذبوحة له قيمة مضافة في كثير من الجوانب، ويفتح الباب أمام صادرات وتصنيع جديد، والآن نحن بصدد إدخال تقنيات وإمكانات برازيلية وأميركية وآسيوية.

* الأمر يحتاج إلى مسالخ حديثة؟
لدينا مسالخ متطورة بمواصفات عالمية، وما يؤكد ذلك هي الزيادة المضطردة في صادرات اللحوم. ووفقاً للإحصاءات، فإنها زادت بمقدار كبير عن العام السابق، ووصلت إلى 9 آلاف طن بدلاً عن 3 آلاف في الفترة ذاتها من العام السابق.
وعلى الرغم من ذلك نسعى إلى زيادة عدد المسالخ المؤهلة لهذا الغرض، حتى تسهم في زيادة صادرات اللحوم لتتجاوز صادرات الماشية الحية، وذلك بحسب السياسة العامة للدولة الساعية إلى إدخال المواصفات الفنية العالمية للاستفادة من كل أجزاء الحيوان.

* أين دور القطاع الخاص المحلي؟
السياسة العامة للحكومة تقضي بترك الاستثمارات للقطاع الخاص، علماً أن الريادة في كل استثمارات قطاع الثروة الحيوانية هي للقطاع الخاص، كما توجد عدة مصانع بيطرية تابعة للقطاع الخاص، ويوجد في الوقت الحالي 11 مسلخاً كلها تتبع هذا القطاع.

* هل يعمل السودان على حفظ سلالته من الثروة الحيوانية؟
هذا صحيح. التسجيل يحفظ لك نوع وصنف السلالة، لكن السلالة السودانية تحديداً هي ذات مقاومة قادرة على التأقلم مع كل المناخات. والآن، عملنا تصنيفا شاملا لكل أنواع السلالات الجينية والوراثية، وأصدرنا المسودة الخاصة بذلك، وحاليا نحن بصدد الخطوات الأخيرة لرفعها إلى مجلس الوزراء والمجلس الوطني (البرلمان) لإجازتها داخليا، ومن ثم تسجيلها خارجيا.

* هل يعني هذا أن كل المكوّن المحلي تم تسجيله؟
ما من حيوان أليف وغير أليف، حتى الطيور والأسماك “البلطي”، إلا وسجلناه، ومن ثم نسعى إلى إنشاء بنك لحفظ السلالات السودانية، ونحن نتابع يوميا الأمر لتسريع الخطى، عسى أن تكتمل العملية بنهاية العام الجاري.

* هل من شأن السلالات المستوردة من الخارج أن تطمس هوية المكوّن السودانية؟
لا أعتقد ذلك، ولن تؤثر في القطيع القومي، لأننا حريصون كل الحرص على الحفاظ على المكونات الوراثية التي تميز القطيع السوداني. فلو تساهلنا في هذه الناحية، ستنتهي كل ثروتنا الحيوانية. ولذلك، نحن نحافظ عليها، إضافة إلى أن كل حيوان يعيش في بيئته، ولا يمكنه التأثير في بقية القطعان التي يأتي وافدا إليها.
كما أن تحسين السلالات نقوم به في حدود معينة يحددها الخبراء، بحيث لا تزيد نسبة التحسين عن 10%. فالتأثر ليس عملية سهلة، وأعتقد أن التحسين أمر إيجابي، لكنه في حدود ما يحدده المختصون.

* ماذا تعني بأن التحسين جيّد؟
لدينا سياسة محددة نسير عليها في مجال تحسين نسل الماشية وإنتاجها واستيرادها، من أجل زيادة الإنتاج. والآن، توجد مزارع تعمل بسلالات أجنبية 100%، ومستويات الاهتمام بها عالية جدا، وكل شيء مأخوذ في الحسبان من حيث التغذية الجيدة بمواصفات عالمية ممتازة وجودة في الإعاشة ومكيفات الأغذية، وكل ما يتعلق بها موزون بحسابات محددة، لكن المزارع البسيط لا يستطيع أن يقوم بعمل كهذا.

* هل هنالك تعاون وتفاهمات مع جهات خارجية على هذا الصعيد؟
نعم لدينا تعاون مستمر مع منظمة الزراعة والأغذية العالمية (فاو)، ونتعاون في مجالات الحفاظ على الحيوان وتحسين سلالته وجودته، فنحن نمتلك على سبيل المثال، 14 نوعا من الضأن و16 نوعا من الأبقار، إلى جانب وجود 16 نوعا من الماعز وأكثر من 6 أنواع من الإبل.

* حدّثنا عن الجانب الصحي؟
السودان يخلو من أي أمراض وبائية، بمعنى سلامة تامة للقطيع القومي، مع سيطرتنا التامة على الأمراض العابرة للحدود، حيث تبذل الإدارة العامة لصحة الحيوان ومكافحة الأوبئة على مستوى المركز والولايات، جهودا كبيرة لمعالجة أي شكاوى، عن طريق وضع خارطة لتلقي المعلومات والوصول إلى المناطق التي تعاني مشكلات مستجدة.

* كم تبلغ صادرات السودان من الثروة الحيوانية؟
يساهم القطاع بأكثر من 20% في الناتج المحلي الإجمالي. وفي العام الماضي، وصلت صادراتنا إلى مليار دولار، وبعد المجهودات الكبيرة التي بُذلت ودخول شركات للاستثمار فيه والسعي إلى تغيير النمط القديم التقليدي، فإننا نتوقع أن تصل صادراتنا إلى مليارَي دولار بنهاية هذا العام، إضافة إلى المساهمة الكبيرة التي تقدمها داخليا، حيث تسهم في دفع زكاة فقط بما يعادل 45 مليار جنيه سنويا، فضلاً عن المساهمة الكبيرة في الأمن الغذائي القومي.

أجراها : عاصم إسماعيل – العربي الجديد

Exit mobile version