بشكل مفاجئ، تمت إطاحة نائب المحافظ،وبدأت عمليات مراجعة الأداء المصرفي وكشف التلاعب، هل بدأ الإصلاح الهيكلي؟

تفأجات الأوساط الاقتصادية بخبر إعفاء نائب محافظ البنك المركزي، بدر الدين قرشي من منصبه وتعيين مساعد محمد أحمد ـ الذي يتبوأ رئيس اتحاد المصارف والمدير العام لمصرف التنمية الصناعية ـ خلفا له، وتم إجلاس قرشي على كرسي رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني، ما يعد مؤشرا ضمن ما تقوم به الدولة من إجراءات اقتصادية تحاول أن تكبح بها جماح الأزمة الاقتصادية التي أطلت برأسها على البلاد منذ مطلع العام الحالي.
مصدر المفاجأة يكمن في أن بروفيسور بدر الدين قرشي برز اسمه ضمن ترشيحات الجلوس على كرسي محافظ البنك المركزي عندما تداولت الأوساط أنباء عن إعفاء المحافظ الحالي وتعيين قرشي خلفا له الشهر الماضي، إلا أن الخبر تم نفيه من قبل رئاسة الجمهورية ولكن منذ ذلك الوقت واسم بدر الدين قرشي يتصدر الأوساط الاقتصادية.

كان قد تم تعيين قرشي نائبا لمحافظ بنك السودان في ديسمبر 2016. والتحق ببنك السودان المركزي في فبراير 1987 في وظيفة مفتش مصرفي وتنقل في عدة إدارات في البنك، بينها الإدارة العامة للرقابة المصرفية، إدارة النقد الأجنبي، والإدارة العامة للتفتيش المصرفي.

التغييرات في المناصب التنفيذية للأجهزة الاقتصادية ليس وليد اللحظة فمنذ فترة تدور الإرهاصات حول أن ثمة تغيرات وزارية ستجرى خلال الفترة القادمة وأن الأمر خاضع لمزيد من الدراسة وإن كان هذا التغيير ليس معلوما إن كان الطاقم الاقتصادي من ضمنه أم لا غير أن عددا من البرلمانيين في كتلة التغيير بالبرلمان قاموا بتجميع عدد من التوقيعات لإقالة عدد من الوزراء على رأسهم وزير المالية.

منذ بداية العام الجاري وسخط واستياء كبير يلوح أمام الطاقم الاقتصادي تزامنا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وفي مقدمتها سعر الصرف الذي تجاوز في فبراير الماضي حاجز الـ(40) جنيها مما رفع من وتيرة الغضب من استمرار سوء الأوضاع المعيشية والتي أصابت المواطن في مقتل وشددت على الحاجة على أهمية تغيير الرؤية الاقتصادية للطاقم الاقتصادي، ومنذ حينها والسلطات الرئاسية والأمنية تشن حربا لا هوادة فيها على عدد كبير من المتسببين في الأزمة الاقتصادية من بينهم قيادات مصرفية عليا.

ما يؤكد أن ثمة تغييرات في الهيكل الاقتصادي قائمة، ما أعلن عنه الرئيس عمر البشير في فاتحة أعمال الدورة البرلمانية الجديدة أمس (الاثنين) حيث قال إنهم سيقومون بمراجعة الجهاز المصرفي وكشف التلاعب الذي يحدث فيه وخص بنك السودان بعملية التفتيش والمتابعة وقال إن ثمة إجراءات هيكلية ستتم بالمصرف المركزي بعضها إدارية وبعضها (بتار) دون الكشف عن تفاصيلها، البشير أعلن الحرب على الفساد في (كل مكامنه ومخابئه)، وأشار الى أن الحرب في بدايتها ولن تتوقف إلى أن تحقق أغراضها المتمثلة في إيقاف عمليات تهريب الذهب والمضاربة في العملة واحتكار السلع الضرورية. وتعهد البشير، بتطبيق قانون الثراء الحرام (ومن أين لك هذا بصرامة للكشف عن المال الحرام والمشبوه وغسل الأموال)، وأضاف: “لذلك سنظل في متابعة إجراءاتنا لملاحقة المتلاعبين داخل وخارج البلاد حتى يسترد اقتصادنا الكلي عافيته تماماً”. وكشف البشير، عن وجود شبكات فساد مترابطة استهدفت تخريب الاقتصادي القومي من خلال سرقة أموال الشعب، وقال: “كان لا بد من تدخل رئيس الجمهورية بحكم مسئوليته الدستورية عن الاقتصاد الكلي الذي شهد استهدافاً مباشراً لضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنها”، وأشار إلى اتخاذ الحكومة جملة من الإجراءات لضبط سوق النقد الأجنبي بالقضاء على السوق الموازي داخل وخارج البلاد. وكشف عن اتخاذ إجراءات لمنع تهريب الذهب وسيطرة الدولة عليه تسويقاً وتصديراً ومتابعة حركته من مواقع التعدين وحتى وصوله لبنك السودان.

يقول الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، إن هنالك حاجة ماسة لتغيير في الهيكل الاقتصادي يواكب المستجدات الاقتصادية، ويشير إلى أهمية أن يكون التغيير مستهدفا لتحسين أداء الحكومة في مجالي الخدمات والاقتصاد والعمل ضمن منظومة متحدة متعاونة ذات أهداف وبرامج ممنهجة، لأن ضعف أداء أي وزير سيؤثر على الأداء العام لاسيما في ظل وجود زيادات غير مبررة في أسعار السلع، والعمل على وضع حلول لها ومعرفة أين يكمن الخلل. ونوه فتحي في حديثه مع (اليوم التالي) إلى حالة من عدم الرضا عن أداء عددٍ من وزراء القطاع الاقتصادي وقال إن أداءهم لم يكن مرضيا عنه عند العامة بل أيضا البرلمان والحكومة غير مقتنعين بأدائهم حيث شهد الجنيه السوداني انخفاضا حادا لقيمته أمام العملات الأجنبية، وارتفاعا متواصلا للمستوى العام للأسعار إلى ما فوق استطاعة المواطنين وارتفاعا لنسب التضخم وتدهور أداء الاقتصاد العام. لذا فإن فتحي يشدد على الاستعانة بالكفاءات الوطنية التي لديها خبرات لها وتجارب خارجية اقتصادية مُميَّزة (ليست المصرفية والمحاسبية). غير أنه أوضح في الوقت ذاته وجود تحديات تواجه التشكيل الحكومي الجديد وهو التوسُّع في الإنتاج، وكيفية جذب الاستثمارات الوطنية قبل الأجنبية والقدرة على الإبداع في خلق حلول غير تقليدية لإدارة الموارد الوطنية المتعددة وكيفية الاستفادة من المزايا النسبية للاقتصاد السوداني خاصة في ظل حاجة الاقتصاد الكلي لكفاءات تواكب المتغيرات العالمية الجديدة وخفض الانعكاسات السلبية لبرامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه الحكومة للنمو ومعدلات التضخم لضمان كفاءة البرامج المطبقة وتعزيز مخرجات الإصلاحات الاقتصادية.

الخرطوم – نازك شمام
اليوم التالي.

Exit mobile version