ماذا نفعل؟ ..

عديد من المتغيرات الدولية والإقليمية، تجري من حولنا، ونجد أنفسنا بعد حين في أعين عواصفها الكثيرة، التي تهب من كل اتجاه، وما يشبه التأكيد أننا قادرون على التعامل معها. ففي الإقليم تحولات كبيرة كالذي حدث في الجارة إثيوبيا

من انتقال سلس للسلطة من جيل إلى جيل آخر، قد لا نعرفه جيداً ولا يعرف عنا إلا ما تقتضيه المسؤولية والعلاقة القائمة والمتميزة بين البلدين وراهنها المعاش، وفي ذات الوقت تشهد منطقة القرن الإفريقي أيضاً اختراقات واتصالات حثيثة وتحالفات تتكون بسرعة وتنقضي بذات العجلة، لكن كيف ستكون الأوضاع في المرحلة المقبلة خاصة بعد حرب اليمن وتطوراتها والصراع على البحر الأحمر وتقسيم مناطق النفوذ الجديدة على مداخله وموانئه وشطآنه؟! .
> في دولة جنوب السودان تحدث اليوم وفقاً للبيان الأخير عقب اجتماع وزراء خارجية دول هيئة الإيقاد مقروناً بتحركات شركاء وأصدقاء هذه المنظمة الأكثر نشاطاً من بين المنظمات الإقليمية في القارة السمراء، فإننا نلحظ ترتيبات قادمة لا محالة لإحياء السلام في دولة الجنوب التي اقتطعت من جسد بلدنا، وأهم هذه الترتيبات، محاولة إعادة السيد رياك مشار زعيم المعارضة إلى دائرة الأضواء من جديد، ونقله من مكان إلى مكان وإعادته بفاعلية ليكون جزءاً من الواقع السياسي المقبل في دولة الجنوب.

> وبما أن السودان عنصر مهم في كيمياء الإيقاد ويقوم بأدوار بارزة في تعزيز السلم في المنطقة، ينبغي ألا يقتصر دوره أو يحصر في إطار ضيق أو يترك أفكاره ومبادراته يتم تبنيها من جهات أخرى، لا توجد تركيبة سياسية جاهزة الآن لقيادة الجنوب الآن، وهناك نزْف للقيادات الجنوبية وكلها الآن في مهب الريح بعد أن استقطبتها الحرب وتوزعت بمواقفها على أطراف الاقتتالات المختلفة، ولا توجد جهة تستطيع قراءة المشهد الجنوبي أفضل من السودان ..
> في ليبيا هناك عدة خيارات لتسوية الأوضاع الليبية عن طريق تطوير اتفاق الصخيرات، وتوجد محاولات لإعادة أبناء القذافي من جديد بعد الإعلان عن نية سيف الإسلام القذافي ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة وأن الرهان على الجنرال المتقاعد خليفة حفتر قد تراجع كثيراً ويبدو أن الخيارات الأخرى باتت أكثر أهمية من دعم حفتر الذي تلطَّخ بجرائم الحرب وتلوَّث بسمعة سيئة لا تؤهله لحكم ليبيا، وللسودان موقع متقدم في الاهتمامات الدولية بليبيا، وهو أيضاً عنصر مهم في كيمياء الحل التي يجري تركيبها .

> في اليمن التي يشارك السودان في حربها ضمن التحالف العربي وقوات عاصفة الحزم، لا تبدو الصورة واضحة في ظل التصعيدات الصاروخية الأخيرة للحوثيين، لكن المؤكد أنه بعد زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هناك طبخة قادمة في اليمن قوامها أجراء تسوية سياسية للملف كله أعلنت السعودية أنها لا تمانع في الحل السياسي وأجراء مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، وتوجد اتصالات سرية بين أطراف الأزمة اليمنية قد تقود إلى واقع سياسي جديد، ويجب ألا يجد السودان نفسه بعيداً عن (طنجرة) الحل اليمني وفورانها ونارها الهادئة.

> وغير قريب، يبدو الملف السوري هو أكثر الملفات دراماتيكية. فالولايات المتحدة على لسان رئيسها دونالد ترمب أعلنت عن عزمها الخروج نهائياً من هذا الملف وتركه للدول التي تهمها أوضاع سوريا ومستقبلها. فموقف السودان المتوازن من الأزمة السورية، سيكون بوابة للدخول مجدداً بإيجابية مع حلفائه الدوليين في تسوية سياسية للقضية السورية، وما قدمه السودان للشعب السوري وتوازن موقفه السياسي وحفاظه على علاقته بدمشق وبقاء السفارة السودانية مفتوحة هناك والمحافظة الحكيمة على الروابط والصلات والعلاقات كلها لها ما بعدها في المستقبل القريب لسوريا .

> إذا كانت نذر الحرب وطبولها تقرع في واشنطن وعواصم عربية بين السعودية وإيران، وبقاء الأزمة الخليجية على ما هي عليه، فإن الدور السوداني في تجنيب المنطقة العربية مزيداً من الدمار والخراب والانقسامات لهو واجب ضروري لابد من أن يلعبه .. إذا كان الداخل السوداني فيه الكثير من التعقيدات، فإن الأفق والنظر للتعامل الخارجي لهو أفضل، لكن الفائدة أن ينعكس الخارج على الداخل والعكس تماماً هو الصحيح..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version