رئيس من غرب السودان

في أحد مساجد الخرطوم التي يرتادها ولاة الأمر، كان الشيخ موسى هلال يمسك بمسبحة صغيرة ويتحسس عمامته القصيرة والأنيقة بين كل حين وآخر.. بعدها يلتفت شيخ موسى إلى الشخصية العظمى التي تجلس على يمينه.. بفصاحة البدو وصراحتهم يهمس زعيم عشيرة المحاميد بصوت مرتفع في إذن المسؤول الرفيع..عبارة موسى كانت تفيد أن أهل الغرب في انتظار دورتهم في الولاية الكبرى إن كان الرئيس لا يرغب في خوض الانتخابات القادمة.. لم يكتف الشيخ موسى هلال بالبوح في المساجد فقد صرح علانية عن طموحاته وعشيرته الأقربين في غير مكان وزمان.

أخيراً فعلتها أثيوبيا قلعة المسيحية الحصينة.. حيث بات الطريق معبداً لأن يصبح أبي أحمد أول رئيس وزراء من جذور مسلمة في هضاب الشمس المشرقة. أبي أحمد والده مسلم من قبيلة الأرومو، فيما أمه مسيحية من الأمهرا.. هنالك أكثر من رواية حول ديانته.. لكن إجماع المراقبين يؤكد أن الخطوة غير مسبوقة وغير متوقعة لكنها في الاتجاه الصحيح.. كونها تمنح السلطة لأكبر إثنية في البلد المتعدد وفي ذات الوقت تنصف قبيلة الأمهرا التي كانت تحكم لفترات طويلة وتتمتع بنخب متعلمة .. لكن الأهم في تتبع مسيرة أحمد يبدو أنه رجل تمت تهيئته ليلعب مثل هذا الدور منذ زمن طويل.

ذات خطوة أثيوبيا حدثت في أمريكا في العام ٢٠٠٨.. حيث كان انتخاب باراك أوباما حدثاً سيهتم به التاريخ.. الشاب الأسود ذو الفك الطويل والوجه الوسيم كان خليطاً بين أم بيضاء تعشق المهاجرين وأب كيني مسلم شديد الذكاء سيّئ الحظ.. صحيح أن باراك يتمتع بكاريزما مبهرة وحضور سياسي متميز، إلا أن إحساس النخب الحاكمة بالحاجة لرجل يعيد توحيد أمريكا منح حملة أوباما صخباً وضجيجاً.. وسيكتب التاريخ أن الرئيس الذي جاء في إطار التوازنات كان من أنجح الرؤساء الأمريكان في التاريخ المعاصر.

لا شك أن هنالك إحساس أن سفينة الوطن تتوعدها أمواج عاتية في مقبل الأيام.. في خاطر كل من بعض ملامح الصراع في ليبيا ولون الدماء في سوريا.. لو أن تمعّنا سوابق التاريخ القريب في كل من طرابلس ودمشق لرأينا ملكاً عضوضاً يرتدي أزياء الجمهورية.. لهذا كان التمرد شرساً للغاية حينما توفرت ظروف الهروب من سجون الشمولية هنا وهنالك.. فيما التغيير كان سلساً في تونس والقاهرة، حيث لم تكن هنالك ملامح أي حكم عشائري بل إن الدولة العميقة والجيش القوي يشكلان أداة وحدة عند الملمات.

في تقديري، على نخب السودان أن تضع في ذهنها بعض الحقائق.. معظم خيرات السودان تأتي من تلقاء الغرب.. الثروة الحيوانية والصمغ وبعض من الذهب وغير قليل من المحاصيل النقدية.. حتى ثورات الاحتجاج تنبع من هنالك.. مع ذلك يظل الدكتور علي الحاج أول رئيس حزب سياسي عابر للولايات من أبناء دارفور.. والتاريخ يقول إن الخليفة عبد الله هو آخر رئيس دولة من ناحية الغرب.. الاقتصاد يؤكد أن نيالا تعتبر المدينة التي تختزن أكبر كتلة نقدية بعد العاصمة.. وأن جنوب دارفور ليست إلا ثاني أكبر ولايات السودان من حيث تعداد البشر.

بصراحة.. أحياناً نحتاج أن نتعلم من الأعداء والأصدقاء في بحثنا عن الحكمة.. إن لم يُفكر الحزب الحاكم بعقل استراتيجي أو أنه غير قادر على ذلك فعلى المعارضة أن تفعل.. الجغرافيا عامل مهم في السياسة..على المعارضة ان تستوي خلف رجل من الغرب السوداني.

عبد الباقي الظافر
(الصيحة )

Exit mobile version