في كل عام تحبس الأسر السودانية أنفاسها في شهري مارس وأبريل، حتى تنتهي أعمال امتحانات الشهادة الثانوية السودانية.. خاصة بعد تكرار اتهامات وادعاءات التسريب..
في الماضي كانت أعداد الطلاب الممتحنين بضع عشرات الآلاف ثم تطورت إلى أن وصلت الآن نصف مليون وأكثر، يتوزعون في آلاف مراكز الامتحانات على امتداد جغرافية السودان الكبير .. بل وخارج السودان.. في عملية معقدة للغاية وحساسة تتكامل فيها جهود عشرات الجهات الحكومية..
هذا الوضع المعقد للشهادة السودانية ألا يستوجب إعادة النظر في كامل العملية.. ليس فقط في عملية وإجراءات الامتحانات بل المؤهلات والتأهيل المطلوب من الطلاب لنيل هذه الشهادة ..
صحيح السودان يعتدُّ ويفخرُ بالشهادة السودانية التي اكتسبت سمعة على مدار عقود طويلة .. لكن الأصح أنَّ الزمن تغير كثيراً وتطورت الوسائل والتكنولوجيا وأكثر من ذلك، تطورت مفاهيم التعليم ولَم يعد تلك العملية الإجرائية التي تفترض حشو عقل الطالب بمعلومات، ثم مطالبته باستفراغها دفعة واحدة خلال ساعتين أو ثلاث وتقرير مصيره بناءً على ذلك…
المطلوب تقييم الطالب في هذه المرحلة وتأهيله للموقع المناسب له في مؤسسات التعليم العالي.. وهذه عملية لم تعد عادلة بالأسلوب التقليدي القديم للشهادة .. لماذا لا نفكر في ابتداع اُسلوب ولو متدرج للتعامل مع الشهادة السودانية.
مثلاً؛ لماذا يمتحن كل طلاب السودان في ذات الْيَوْمَ والشهر؟.. لماذا لا يمتحن كل مساق في توقيت مختلف حتى لا تتعقد الإجراءات .. مثلاً مجموعة المواد النظرية تجري امتحاناتها في شهر ديسمبر من كل عام .. ومجموعة المواد المؤهلة لكليات الطب والصيدلة وغيرها من الكليات المناظرة.. في شهر فبراير .. ثم الكليات الهندسية والعلمية الأخرى في مارس.. توزيع الامتحانات على فواصل زمنية يسمح بتقسيم نصف المليون طالب إلى شرائح أصغر يمكن التحكم فيها وتقليل فرص المخاطر.
ثم تكون المرحلة التالية في تغيير نمط الامتحانات نفسها .. فلا تظل مجرد استدرار لمحفوظات بل ترتبط بالتخصص المطلوب ..من الممكن أن يأتي يوم يصبح فيه كشف الامتحان نفسه غير مؤثر في النتيجة ..وأذكر أننا في كلية الهندسة في السنة الثانية كان يسمح لنا بالدخول في إحدى المواد بالكتب والمراجع والمذكرات ومع هذا كانت تلك المادة والامتحان من أصعب الامتحانات..
نحتاج للتفكير خارج الصندوق وابتداع شهادة سودانية غير قابلة للتسريب.
حديث المدينة
عثمان ميرغني