أول مرة رأيت فيها شيخ صادق كان طلقاً ومفعماً بالحياة، كان يتحدث بجسارة، وأخر مرة وجدته مستلقياً على فراشه، تغوص عيونه في السقف وتتطلع في وجوه العابرين، يحدق في البعيد، بدا لي ساعتها أنه قصيراً بعض الشيء عوضاً عن ما ألفته،
لم يعد زعيم الإخوان يحفل بالدنيا وصخبها، وهي عادته على الدوام، عاش زاهدا طوال عمره، مسكونا بالمحبة، داعبته بالقول “ما كنت دائما بتهزم المرض يا شيخ صادق المرة دي ماله اتمكَّن منك؟”، قال لي وعلى عيونه حزن عابر “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها “..
وطلب بعد أن قرأ حواره معي نشره في كتاب. طفرت دمعة مني وأنا أحاول جاهداً ألتقط منه الكلمات بصعوبة، أدنو أكثر وأكثر، يبتسم بملامح مكسوة بالرضا- الله يا عم صادق كنت أقوى من ذلك، ولكن كثرت عليك العمليات الجراحية والعمر يمضي إلى نفاد– صوته الخافت لم يتبدل، في الحقيقة ازداد خفوتاً، ولكن روحه الجميلة تشع في المكان بهجة وسكينة..
يبدو أنني حاورت رجل أخذ الدعوة من الإمام الراحل حسن البنا، وجمعته بالشهيد سيد قطب ومنصور خالد وكشك حكايات مثيرة كما حدثني، عاش طويلاً ولم يسرف في الحياة، طاف على بيوت الفقراء والمساجد وحلقات التلاوة وعاصر معظم الحقب الهادرة، لكنه لم يدخل إلى القصور الملكية طلباً لجاه أو سلطة،
كلّما توغلنا في أعماق المشهد السياسي في السودان استجدّ حضوره. المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، رجل دعوة حملته تصاريف الأقدار إلى المثول أمام بوابة السياسة والتاريخ، في ذلك الفراش الموحش يرنو بجسده النحيل يبعث الدفء في الأرجاء، يتأمل الحياة وعبثها ومحطاتها الكثيفة.. بالأمس حاولت التبرع له لكن فصيلة دمي خذلتني ليمضي إلى رب كريم.
الصورة أعلاه التقطها الزميل الراحل والمصور البارع علم الهدى حامد قبل نحو عشرة أعوام تقريبا ألف رحمة ونور تتنزل عليهما.
الخرطوم
بقلم
عزمي عبد الرازق