المصلحة لا الأوهام
-1- “4” مليارات دولار، المبلغُ المُحدَّدُ لتأهيل وتحديث ميناء سواكن، ليُصبح الميناء الأوَّل بإفريقيا.
حينما استمعتُ للرقم، إجابةً عن سؤالي للوزيرين السوداني والقطري، أدركتُ أننا أمام مشروعٍ كبيرٍ غير مسبوق، في سجلَّات التَّعامل بين الدولتين.
مع ضخامة المبلغ، وأهمية المشروع، والوضع في الاعتبار ظرف المكان (سواكن)، وظرف الزمان (حالة الانقسام والصراع العربي)، كان لا بدَّ من طرح سؤالٍ عن مدى تأثُّر المشروع الكبير، بالتقاطعات السياسية في المنطقة، والصِّراع على سواحل البحر الأحمر، لا سيَّما بعد إنهاء تعاملات شركة موانئ دبي في جيبوتي والصومال، وما أُثير في الإعلام المصري، عقب زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان للسودان، تحديداً الاتفاق على تأهيل آثار سواكن العثمانية، وما ترتَّب على كُلِّ ذلك من أزمات وضجيج.
-2-
منطقة البحر الأحمر، أصبحت ذات جاذبيَّة وحساسيَّة عالية لدى جميع الأطراف، وتحظى باهتمام إقليمي كبير.
إذا كانت قطر، قد سيطرت على ميناء سواكن بهذا الاتفاق الملياري؛ فالتنافس لا يزال مُحتدماً بين أربع دول، أو بالأصح شركات تتبع لتلك الدول: فرنسا بكل وزنها العالمي ونفوذها التاريخي، وإمكانيات شركتها في هذه المجالات، حيث تُدير 80 ميناء؛ الشركة الفلبينية التي لها تجارب سابقة في الميناء؛ وتُوجد شركتان في قائمة التنافس: سعودية وإماراتية، جميعها تتنافس الآن في هامبورج، للفوز بعطاء إدارة ميناء بورتسودان الجنوبي .
-3-
كانت إجابة الوزير المهندس مكاوي محمد عوض، عن سؤال التقاطعات، مُباشِرةً بلا مساحيق تجميل: نحن نبحثُ عن مصالحنا فقط، المصلحة هي التي تُحدِّدُ خياراتنا، هذه الموانئ ثروةٌ يجب الاستفادة منها، هذه هي القاعدة التي تحكُم العلاقات والتَّعاملات.
الوزير القطري، جاسم بن سيف السليطي، كذلك قدَّرَ حساسيَّة السؤال وأجاب: إن المشروع اقتصاديٌّ بحت، ولا علاقة له بأيِّ أنشطة أُخرى عسكرية أو غيرها.
-4-
بلُغة المصالح، يستقيم العودُ ويعتدل الظل، وينصلح الحال. في إدارة علاقاتنا الخارجية، كثيراً ما كانت تقع الحكومة السودانية في أخطاء قاتلة، في إدارة العلاقات الخارجية بعيداً عن قانون التعاطي (هات وخذ)، انسياقاً وراء الشعارات اللامعة والأحلام المُجنّحة والأوهام المُحلِّقة.
-5-
الآن وعت الحكومة الدرس تماماً (ختَّت الكورة واطا) وأصبحت تتحرَّك مع الجميع، وفقاً لقانون المصلحة.
صحيحٌ أن هناك مبادئ وقيماً عامة، يجب الحفاظ عليها، ولكن دون أن يتعارض ذلك مع ما يعود بالنفع والفائدة على المُواطن السوداني.
ما تزال الحكومة السودانية قادرةً على إدارة ملفَّاتها الخارجية بمهارة واقتدار. ورغم صعوبة الأوضاع وشدَّة الاستقطاب الإقليمي، تمنح ميناء سواكن لقطر، ولا تُمانع أيلولة ميناء بورتسودان للسعودية أو الإمارات.
-6-
منطق المصلحة والتوازن، يمتدُّ بين الاقتصاد والسياسة والأمن. السودان مع السعودية في حرب اليمن ضدَّ الحوثيين، ولكن ليس ضد قطر.
السودان في مصر، يقف مع السيسي واستقرار حكمه، ولكن دون تنازلٍ عن حلايب، أو تقديم تنازلاتٍ في ملف سدِّ النهضة.
السودان في سوريا مع الموقف العربي العام، لكنَّه ضد إسقاط بشار الأسد، وإقصائه من المعادلة السياسية.
السودان في ليبيا مع حكومة طرابلس، ولا يعمل ضدَّ حفتر.
هكذا يستطيع السودان عبر دبلوماسية رئاسية، تُجيد حساب المسافات، أن يُحافظ على مبادئه السياسية، وأن يُحقِّق مصالحه الاقتصادية.
-أخيراً –
علاقاتٌ تقوم على المصلحة المُستقلَّة عن خيارات الآخرين، المصلحة لا الأحلاف، التوازن لا الانحياز، الحقائق لا الأوهام.
ضياء الدين بلال