الوجود الأجنبي بين قوش وأبوصالح

توقع د. محمد حسين أبوصالح وزير الشؤون الاستراتيجية والمعلومات بولاية الخرطوم، مع استمرار هجرة الأجانب، أن يصبح السودانيون غرباء في بلادهم ومجرد جاليات سودانية في كثير من المناطق.

قيمة هذا التصريح تتمثل في أنه يصدُر من رجل لا يجوز له أن يدق ناقوس الخطر قبل أن يُجيل بصره في كل الاتجاهات وينظر بعين الخبير، خلفه ثم أمامه قبل أن ينبس ببنت شفة، حول المستقبل، وهل رجال الاستراتيجيات إلا كذلك؟

بلادنا أيها الناس محاطة بسبع دول جميعها يغزوها برجالها ونسائها وأطفالها .. بعضها احتل، أو كاد، أحياء في قلب الخرطوم وأحاط ببعض أطراف العاصمة ،وبات يشكل ثلث سكان بعض الولايات الطرفية، كما أن بيوتنا تستضيف مئات الآلاف من العمالة الأجنبية والهجرة غير الشرعية تطبق على السودان وتتربص به من كل الاتجاهات.

 

قبل أن أستطرد لأبيّن بعض مظاهر الأزمة أود أن أذكر بأن الجهات المسؤولة وعدت مرارًا بتنظيم وضبط الوجود الأجنبي من خلال إصدار تشريعات لذلك الغرض، وأمامي الآن مانشيت بالخط الأحمر العريض منشور في جريدة الرأي العام بتاريخ الأول من أغسطس 2017 بعنوان: الأمن: (قوانين وتشريعات جديدة لضبط ورقابة الوجود الأجنبي) للأسف فقد مضى ما يقرب من ثمانية أشهر من صدور ذلك الخبر ولا نزال ننتظر!

لا أحتاج إلى بيان السبب في أن يصرّح جهاز الأمن حول الوجود الأجنبي وأخطاره على أمن البلاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وعلى هوية البلاد وتماسكها الاجتماعي.

 

مواطنو القضارف يقلون عن المليوني نسمة بينما الإقليم المجاور في أثيوبيا يتجاوز سكانه العشرين مليوناً ويستغرب بعض الغافلين الحديث عن احتلال منطقة الفشقة بالرغم من أننا لا نجد غير الإثيوبيين لحصاد إنتاجنا الزراعي من الذرة والقمح وغيرهما من المحاصيل!

نعلم أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وأن فراغ الولايات الشرقية من البشر مع كثافتهم في الدول المجاورة وتدني مستوى العيش في تلك الدول مقارنة ببلادنا مع ضعف آليات الرقابة على الوجود الأجنبي وتسلل المهاجرين اليومي نتيجته معلومة سيما مع انشغال الجهاز التنفيذي بأولويات سياسية واقتصادية أخرى ضاغطة تُلهي صانع القرار عن ذلك الخطر المحدق.

من تلقاء الجنوب يتعاظم الخطر على الولايات الحدودية، فإذا كان والي النيل الأبيض عبد الحميد موسى كاشا قد قال إن الجنوبيين باتوا يشكلون (30%) من ولايته، فإن رئيس اللجنة التنسيقية الفنية لشؤون اللاجئين بالولاية الطيب محمد عبد الله قد صرح أن عدد الجنوبيين الذين دخلوا الولاية مؤخراً بلغ (150) ألفاً، أما عدد الجنوبيين الذين يقيمون في محلية السلام وحدها فقد قارب عدد مواطني المحلية، وقد أنشئ للاجئين الجدد معسكران في محلية الجبلين علاوة على ستة معسكرات أخرى موجودة أصلاً في محلية السلام.

 

رئيس اللجنة التنسيقية أضاف أن التدفقات الجديدة تحتاج إلى فتح معسكرات جديدة في مناطق تحتاج إلى وجود خدمات مشيرًا إلى الآثار السالبة لأولئك اللاجئين بما في ذلك مقاسمة المواطنين في الخدمات المقدمة بالإضافة إلى التأثير الواضح على الغطاء النباتي بسبب استخدام الأشجار كوقود والتلوث المائي والبيئي الناتج عن حرق الأشجار.

أود أن أضيف إلى ما قاله الطيب عبد الله إن هناك تأثيرات أخرى كثيرة حول تصنيع الخمور البلدية وبيعها داخل الأحياء المجاورة، وغير ذلك من السلوكيات التي ضجت بها بعض محليات ولاية الخرطوم مثل أم بدة وجبل أولياء وشرق النيل.

 

أما من تلقاء غرب البلاد فحدّث ولا حرج فقد أفرزت الحرب أوضاعًا مأساوية وهجرات كثيفة جراء انفتاح الحدود بسبب الحرب وتواجد المسلحين وجماعات النهب المسلح، ومن ينظر في شوارع الخرطوم يلحظ المتسولين الأجانب رجالاً ونساء وأطفالاً، وقد دُهشت من خبر نشر في (الانتباهة) بتاريخ 2017/9/6 عن قيام شرطة أمن المجتمع بقطع الطريق على (297) متسولاً أجنبياً دفعة واحدة كانوا في طريقهم إلى وسط الخرطوم من بينهم (156) امرأة يحملن (35) طفلاً رضيعاً و(9) رجال من كبار السن، وكشف العميد ماهر شلكي أن الظاهرة منظمة تديرها عصابات، فإذا كان ذلك عدد المتسولين فما بالك بغيرهم من الباحثين عن عمل؟!

عزيزي صلاح قوش إن الهجرة الأجنبية غير الشرعية تحتاج الى آلية مركزية تدير الملف بحرفية ومهنية عالية، ذلك أن إيكال الأمر إلى الولايات الحدودية فشل في السابق ولن ينجح مستقبلاً سيما وأن لكل ولاية أولوياتها السياسية التي تضطرها إلى الصرف على الملفات الضاغطة، هذا فضلاً عن أن الولايات تتفاوت في درجة اهتمامها بالأمر .

 

 

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version