لم يفكر محمد أحمد أو تمر على مخيلته البسيطة أنه سيضطر يوماً للتعامل المصرفي عبر البنوك، فهو موظف بسيط براتب محدود، يحاول سد رمق أسرته الصغيرة بما يكسبه من مال حلال، ويبذل قصارى جهده في ذلك، ورغم ظروفه السيئة إلا أنه لم يفكر في مغادرة الوطن بل كرس حياته لتربية أبنائه بصورة سليمة.
وما حدث من تغيرات في خارطة المجتمع السوداني ولاسيما في الاستخدام التكنولوجي،وتحويل التعامل المالي من مباشر إلى مصرفي، أدخل المجتمع كله إلى البنوك، ومع ارتفاع سعر الدولار بصورة خرافية مع نهاية العام المنصرم وبداية العام الحالي جعل من الدولار استثماراً مثله مثل السلع الأخرى.
بعد أن تعذر على الجميع صرف راتبهم الشهري عبر الصرفات الآلية المنتشرة في الطرقات توجهوا إلى البنوك حتى يتمكنوا من صرفها، وتفاجأ البعض بعدم إمكانية ذلك بسبب نقص السيولة، وسمع كثيرون جملة “مافي قروش”.
صرف بالقطاعي
أيمن الذي جلس قرابة الساعتين في مقعده ينتظر دوره، لم يتمكن من صرف مبلغ (5) آلاف جنيه من حسابه البنكي، وقال له الصراف لا نستطيع مدك إلا بـ(2) فقط، وعندها قال أيمن: “لماذا؟ أنا أحتاجها جملة ولا أستطيع غير ذلك”، وعند إصرار أيمن على موقفه لم يكن بيد الصراف سوى أن يحيله إلى رئيسه المباشر، وبدوره أمر له بصرف (3) آلاف فقط، ولم يكن أمام أيمن حل سوى أن يأخذها، ولسان حاله يقول: “جيناك يا عبد المعين تعين لقيناك عايز تتعان”.
أمر غريب
ولأن المشكلة عامة، ولأول مرة يتعامل المواطنون مع البنوك خاصة أصحاب المبالغ القليلة، أقر عدد منهم أن التعامل مع البنوك ليس إلا مضيعة للوقت. وقال أحدهم: “ما يحدث هذه الأيام أمر غاية في الغرابة، خاصة أنهم أوقفوا الصرافات الخارجية وأجبرونا على الدخول للبنك حتى نتمكن من صرف الراتب الشهري، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما شعرنا وكأننا نتسول لهم وهو حق، لذلك لن أدخل أي مبلغ زائد في حسابي غير راتبي، حفظه في مكان آمن بالمنزل أفضل من تلك الفوضى”. وأشار آخر: “بأن حفر حفرة في الواطة وصفيحة يضع فيها المال ودفنها أحسن من الكلام الفارغ دا”.
إنفاذ سيولة
أرجع مصرفي – فضل حجب اسمه – ما يحدث داخل البنوك إلى أنها سياسة يتبعها البنك المركزي حتى يتمكن من جمع الأوراق المالية من الشارع، يحيث يستطيع السيطرة على الدولار ومن ثم انخفاضه. وأضاف: “لذلك نفدت السيولة المتوفرة داخل البنوك بعد إحجام بنك السودان من توفير احتياجات البنوك ومده بالقليل فقط، ومعالجة ذلك تمت بصرف مبلغ محدد للعملاء، وهو الأمر الذي أفرز ما يحدث من مشاكل داخل البنوك، وخلو الصرافات الآلية من النقود.
غاية في الخطورة
يقول المصرفي إن ما يحدث أمر غاية في الخطورة، ويمكنه أن يرجع الكتلة النقدية إلى الشارع إذا نفذ العملاء خطتهم واحتفظوا بأموالهم في مكان آخر غير البنوك، وهذا بالتأكيد سيعود وبالاً على الاقتصاد، لذلك يقول يجب تدارك الأمر سريعاً. وتابع: “علينا كمصرفين وعملاء تحمل بعضنا، ضغوطنا مشتركة وأزمتنا واحدة، لذلك علينا التحمل حتى تنقشع الأزمة ويعود الحال كما كان عليه”.
الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي