فى الثانية والنصف من بعد ظهر أمس الاول الاثنين، كان السفير السودانى فى القاهرة عبدالمحمود عبدالحليم يصافح وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار فى القاعة الرئيسية بفندق الماسة. بعدها بدقائق دخل الوزراء وأعضاء الوفد السودانى المرافق للرئيس عمر البشير إلى القاعة، وبدأوا يتبادلون الأحاديث الودية والابتسامات مع الوزراء والصحفيين وكبار المسئولين المصريين الذين دعتهم رئاسة الجمهورية لحضور مأدبة الغداء التى أقامها الرئيس عبدالفتاح السيسى لضيفه.
قبل هذا المشهد وفى الرابع من يناير الماضى، غادر السفير السودانى القاهرة بعد أن استدعته حكومته، على خلفية توتر علاقات البلدين.
ما بين المشهدين جرت فى النهر مياه كثيرة، والحمد لله أنها مياه عذبة وغير ملوثة ونأمل أن تستمر هكذا.
فى قاعة فندق الماسة، كان السفير السودانى يتحدث لأكثر من فضائية مصرية عن العلاقات الطيبة والمستقبل المشرق، ويحسب لهذا السفير أنه ظل طوال فترة التوتر، يتحدث عن نصف الكوب الملىء.
فى يوم الاثنين الماضى جرى ترتيب طريقة الجلوس، لتكون مشتركة بين شخصيات مصرية وأخرى سودانية، وظل الجميع يتحدث ويتعاتب ويلوم، ولكن النهاية كانت سعيدة، باتفاق على ضرورة عدم السماح بتكرار ما حدث.
ومن فندق الماسة إلى الصالة المغطاة فى ستاد القاهرة الدولى، كان الأمر أكثر حماسا،حيث احتشد آلاف المصريين ومعهم بعض السودانيين، وظلوا يهتفون للبلدين بصورة يصعب وصفها.
فى هذا المكان كان الرئيس السودانى هو ضيف شرف الاحتفال بيوم العائلة المصرية، وهى لفتة أكثر من رائعة لأنها تقول للبشير والسودانيين إنكم جزء من العائلة.
من حسن حظى أننى كنت جالسا فى الصف الثانى، فى هذا الاحتفال، وتابعت ملامح ولغة جسد الرئيس السودانى، وهو يتفاعل مع الفقرات الفنية الممتعة التى تم عرضها.
من خطط لهذا اليوم يستحق التحية والتقدير، فجزء من مشاكل مصر والسودان المتراكمة يعود إلى العامل النفسى والحساسية المفرطة. وبالتالى فإن الرسالة التى وصلت إلى الرئيس السودانى وكل السودانيين الذين تابعوا الحفل، هى أن المصريين يحبونكم ويتعاملون معكم فعلا باعتباركم أشقاء، وينتظرون منكم فى المقابل المعاملة بالمثل، على أرض الواقع وليس بالكلمات فقط.
حينما هتف آلاف المصريين مع فريق «بلاك تيما»: «حلوة بلادى السمرا بلادى الحرة بلادى»، وأغانى أخرى تتحدث عن العلاقة بين الشعبين، كانت ملامح الرضا والراحة بادية على وجه البشير والوفد المرافق له.
بعد الفقرات الفنية تحدث البشير، وقال إن العلاقة بين البلدين راسخة ومتجذرة وضاربة فى القدم». اما ابرز ما قاله السيسى فكان: «إن الله يربط بين الشعبين منذ أن خلق الأرض.. وسنتجاوز معا مكائد قوى الشر».
السؤال: هل الفقرات الفنية وحماس آلاف الجماهير فى الصالة المغطاة، تكفى لإزالة كل العقبات والعراقيل فى علاقة البلدين؟!
بالطبع نتمنى ذلك، لكن ليت الأمر يكون بمثل هذه السهولة. يحسب للرئيس السيسى أنه بادر أكثر من مرة وطالب الإعلام المصرى بالتزام القواعد المهنية والأخلاقية فى تعامله مع السودان وكل الدول، ويحسب له أنه بادر والتقى البشير فى أديس أبابا نهاية يناير الماضى، ونزع فتيل أزمة لم يكن يعلم مداها إلا الله، ويحسب لبعض العقلاء فى الخرطوم، أنهم لم ينجرفوا مع تيار يتنامى للأسف هناك، ويريد تحويل مصر إلى عدو.
مشكلة العلاقات أننا نريدها أن تكون مثالية جدا، وعندما نفشل فى ذلك أحيانا، تنقلب إلى علاقة عداء للاسف، وبالتالى فالسؤال الجوهرى هو: هل يمكن لهذه العلاقات ان تكون عادية تقوم فى الأساس على المصالح المشتركة، طالما أن لغة العواطف والمشاعر الجياشة لا تصمد أمام الزوابع والأعاصير؟!
كتبت أكثر من مرة بأن الخلافات موجودة داخل البيت الصغير الواحد، وبالتالى من الطبيعى وجودها بين أى بلدين.. وعلينا أن ندرب أنفسنا على كيفية حلها بطريقة عقلانية ومتحضرة، بدلا من الردح الذى تلجأ له أصوات إعلامية هنا وهناك، فتزيد الأمور سوءا.
مرة أخرى مرحبا بالإخوة السودانيين فى مصر، وعلينا أن نبحث عن آلية عملية تمنع تدهور العلاقات كما حدث قبل شهور
وحتى لا تتراكم المشكلات مرة أخرى لتصل إلى ١٦ مشكلة كما فهمنا يوم الاثنى الماضى!
ما حدث يوم الاثنين كان «اخراجا جيدا لقضية مهمة»، نأمل ان يتكرر فى كل الملفات الصعبة.
بقلم
عماد الدين حسين
الشروق المصرية