الطبيعي أن يسعد معشر المغتربين “بالتمويل العقاري” الذي أعلن أخيرا من خلال بنك السودان المركزي ، في إطار سياسته لجذب مدخرات السودانيين العاملين بالخارج ، غير أن السعادة لم تزر معشر المغتربين كونه لا يلبي طموحاتهم ، حيث بدأ واضحا أن الهدف الأول جذب المدخرات دون إعمال الجسور المتينة لذلك، حيث يعاني التمويل من علل وثقوب كثيرة .
يحاول أمين عام المصارف مجذوب جلي الدفاع جاهدا عن هذا التمويل ،الذي تشوبه كثير من السلبيات ، فنسبة الأرباح البالغة18% كبيرة جدا مقارنة مع أي تمويل يمكن أن يحصل عليه المغترب “في ديار الإغتراب” بنسبة أرباح تتراوح بين 4 الى 7% “تقريبا” ، كما أن التمويل لم يراع وضع المغترب أن هو عاد الى السودان بصورة نهائية قبل أن يكمل الأقساط ، الواجبة السداد بالدولار ، فضلا عن القيمة النهائية للتمويل تبقى مجهولة طالما قصر الحديث فقط حول السداد بالعملة الصعبة وفق سعر بنك السودان وقت السداد ، وبالتالي لأيعرف المغترب كم سيدفع قبل أن يسكن في العقار مجهول ” السعر”! .
تكمن المشكلة في أن الذين صاغوا “قرار التمويل العقاري” كانت أعينهم على جذب مدخرات المغتربين كيفما أتفق ، ولذلك لم يهتموا كثيرا بتحفيز هذا المغترب وحمله طوعا لطلب التمويل ، لشعوره بأن حكومته تسعى لتقديم خدمة تشابهه ما ظل يقدمه عبر عقود طويلة للوطن بلا من أو أذى ، وكان يمكن أن يتم التحفيز من خلال مبالغ معلومة يقوم المغترب بتحويلها سنويا للبنوك السودانية ، وبموجب ذلك يدخل مظلة الحافز ليشمل التمويل العقاري ، وإعفاء وخفض جمارك السيارة ، كما هو مطبق في بعض الدول التي تولي اهتماما بمغتربيها.
حتى لا يصبح منشور بنك السودان مجرد قرار يستحق النسيان ، يجب أعادة النظر فيه ليقوم بإعادة صياغته من في قلب رحمة بالمغتربين ، وليس من يريد فقط للدولارات أن تنساب عبر المصارف ، كما يجب مراعاة أوضاع الذين يعودون نهائيا حتى لا يلحق بهم الضرر جراء عدم توفر العملة الصعبة للسداد حين الاستقرار في السودان ، وفي هذا الجانب يمكن أن يتم استقطاب الدعم من خلال المقدم والدفعات الأولى ، حال لم تطبق سياسة التحويل السنوي .
عودة أغلب العائلات السودانية المغتربة عقب إجازة العام الدراسي قبيل حلول شهر رمضان من شأنه أن يعزز تدفق العملة الصعبة عبر المصارف السودانية باعتبار أن جميع مصروفات هذه الأسر سوف ترحل معها الى السودان ومن ثم يكون الاتجاه السائد ” تأمين البيت والسيارة” ، وهذا مشروط بتقديم الحكومة حافز حقيقي لا يحتاج من يدافع عنه ..دون ذلك أموال المغتربين لن تغادر السوق الموازي مهما أشتدت الاجراءات الادارية التي تتخذ بين حين واخر لهزيمة السوق الموازي .
بقلم
مصطفى محكر