(على المكشوف)
-1- أنهى الرئيس عمر البشير، زيارةً قصيرةً إلى مصر، لم تتجاوز الساعات القلائل.
الزِّيارة رغم قصرها، لكنها عميقة الدلالة؛ فهي تأتي بعد تصعيدٍ كبيرٍ وخطيرٍ اقترب من نقطة اللاعودة.
وجد الرئيس عمر البشير، ترحيباً رسمياً وإعلامياً على نطاق واسع، قبل الزيارة وأثناءها وبعدها.
كان الزميل الطاهر ساتي الممنوع من دخول مصر، ضمن الوفد الرئاسي؛ وفي ذلك إشارةٌ إيجابيةٌ جديرةٌ بالعناية التحليلية، في سياق الحديث عن الزيارة.
المُهم، ربما كان هذا الترحاب شبيهاً بما تمَّ في زيارة سابقة للرئيس البشير، لذا يتخوَّف البعض من أن يكون ما حدث تسكيناً مؤقتاً وهدنةً ناعمةً سريعةَ الانهيار، مع أوَّل عاصفة إعلامية.
هذه مخاوف موضوعية، بحكم تجارب سابقة، أعطت انطباعاً بتقلُّب أجواء العلاقة واضطراب مؤشراتها صعوداً وهبوطاً.
-2-
بحُكم وجودي بأديس أبابا، إبَّان اللقاء الذي جمع بين الرئيسين البشير والسيسي، ببيت الضيافة السوداني، وما تمَّ فيه من مكاشفة ومصارحة شاملة، بدا لي أن ذلك اللقاء مثَّلَ نقطة انتقال جديدة في مسار العلاقة الثنائية بين السودان ومصر.
عقب ذلك اللقاء، تراجعت الأصواتُ الإعلامية السالبة داخل مصر، وارتفعت نبرة الأصوات الإيجابية.
قبل أسابيع، احتفت وسائل التواصل الاجتماعي السودانية، بإفادات تلفازية للإعلامي الكبير عمرو أديب.
الإفادات بشَّرَتْ بتحوُّلٍ كبيرٍ في الإعلام المصري، تجاه التعامل مع السودان بصورة بها قدرٌ كبيرٌ من الاحترام للشعب، وإمكانيات الدولة السودانية.
-3-
لم يشذ عن ذلك التوجُّه سوى صديقنا العزيز الدكتور هاني رسلان؛ فهو لم يُغيِّر لغته الحادة والمريرة تجاه الخرطوم منذ سقوط نظام حسني مبارك حتى اليوم.
هاني لا يميل إلى الإساءة أو التجريح والشتائم، فهو كاتب عفيف القلم واللسان، ولكنه يحمل مرارةً قديمة، حينما تحوَّل رصيد معرفته ووده وعلاقاته مع الحكومة السودانية، إلى مخزون عداء سياسي، يُقارب الكراهية كحالة نفسية.
دعونا من الصديق هاني الآن…
نعم، إذا كان اللقاء الذي جمع بين السيسي والبشير في أديس أبابا، مثَّل نقطة عبور جديدة في مسار العلاقة بين الدولتين؛ فإن الزيارة التي قام بها مدير المخابرات المصري الجديد اللواء عباس كامل إلى الخرطوم، قبل أيَّام، مثَّلت خطوةً مُتقدِّمةً في اتجاه التحسين وتسوية الملفات.
لا سبيل لتحسين وتطبيع علاقة الخرطوم بالقاهرة، ووضعها في المسار الصحيح غير القابل للانتكاس، سوى استمرار لغة الصراحة والوضوح، بدلاً عن المجاملات الزائفة.
أزمة العلاقة أنها ظلَّت تتراوَح لسنوات بين المُجاملات الكاذبة في حالات التهدئة، والإساءات الجارحة في حالات الهياج.
-4-
من الواضح أن مدير جهاز المخابرات السوداني، الفريق أول صلاح قوش، سيُولي اهتماماً كبيراً لملفِّ العلاقة مع مصر، لأهميته الاستراتيجية بالنسبة للسودان.
استناد قوش في ذلك، على خلفية علاقات سابقة جمعته وربطته بالمخابرات المصرية، أثناء إدارتها من قِبَلِ الراحل اللواء عمر سليمان؛ وكان أساسها البناء على قاعدة (اللعب على المكشوف).
صلاح قوش من الشخصيات التي تُجيد فنيَّات هذه اللعبة، التي تميل إلى الصراحة والوضوح، ووضع النقاط على الحروف، والملح على الجروح.
-5-
البعض يرى أن وجود العلاقة بين أضابير أجهزة المخابرات، دليلُ علَّةٍ ومرض، لا مؤشر صحة وعافية سياسية.
هذا صحيح إلى حدٍّ ما، ولكنَّ الأهم والأصح، أن هذه العلاقة لن تُصبح طبيعية ومُعافاة، طالما أن هناك نقاط توتُّر أمني نشطة، عالية الحساسية.
ما لم تسكن النقاط النشطة، وتُبنى العلاقة على أفضل الفُرَص، لا أسوأ السيناريوهات، لن ينصلح الحال ولن يستقيم العود والظل.
-6-
شعرتُ بقدرٍ من الاطمئنان لجدوى زيارة الساعات القلائل، حينما اطَّلعت على تغريدة مُتفائلة لرجل الأعمال المصري ذائع الصيت نجيب سويرس، على تويتر، وهو يُبشِّر بعلاقة اقتصادية مُزدهرة بين الدولتين في القريب القادم.
نعم، ستكون العلاقة في تمام عافيتها، إذا أصبحت أصوات نجيب سويرس وأمثاله من رجال الأعمال في السودان ومصر، أعلى من أصوات مُهرِّجي أجهزة الإعلام وحاملي حطب الفتنة.
-أخيراً-
حينما يعلو صوت الاقتصاد ستذهب كل الوساوس إلى زوال.
ضياء الدين بلال