وجاء شهر مارس دون أن يتحقَّق الوعد مياه القضارف..”سراب خداع محال يروي عطشانين”

رئيس المجلس التشريعي: العمل لن ينتهي في هذا الشهر

برلماني: حكومة الولاية لا تعرف فقه ترتيب الأولويات

وزير مالية سابق: تمويل المشروع اتحادي

حينما نظم الشاعر المبدع علاء الدين أبو سير أغنيته الخالدة والضاجة بالشجن “حبي أنا ليك كان زادي” ، فقد استعار لسان عاشقة تخاطب من تهواه، وذات الأغنية التي أبدع في دوزنتها والترنم بها الفنان الكبير عبد الرحيم أرقي فإنها تجسد عشقاً من نوع آخر، بل أملاً وحلماً ظل يراود مواطني مدينة القضارف الذين ظلوا ولعقود في انتظار محبوبتهم “مياه الشرب”، وظل لسان حالهم يردد ذات ما قاله الشاعر أبو سير ” أنا الأبـحــرت راكــب المـــوج أكيد مرسايا بين موجتين”، فهم ما بين موج الانتظار وموج الوعود ظلوا يترقبون أن يأتي يوم ليرددوا بفرحة “وداعــاً يـا زمـن ظــالـــــم وبــالأفــــراح عـــليّا ضــنيـــن، وداعــاً يـا قـــلــب قـــاســـي لا بـيــحـــــــن ولا بيليــن”، ولكن يبدو أن الأقدار جعلتهم أسرى لسراب يرونه خداعاً محال يروي ظمأهم، ويتمنون أن يلوحوا له بالوداع، ليستقبلوا مياه سد ستيت وهم يرددون “ﺗﺒﺸﺮ ﺑﻲ ﺧﺮﻳﻒ ﺟﺎﻳﻴﻨﺎ ﻳﺎ ﻣﺎ ﻟﻨﺎﺱ ﺭﺟﻮﻩ ﺳﻨﻴن”. فهل حان وقت فرحهم أم مايزال الحلم بعيداً.

لغز غريب

” الناس في شنو، وناس حكومة الولاية في شنو”، هكذا يتساءل الشارع بالقضارف الذي عبر عن دهشته من شراء سيارات للجهاز التنفيذي والتشريعي بمبلغ بفوق الستين مليون جنيه، في وقت يلهث المواطنون عطشا بحثاً عن جرعة ماء نقية لإطفاء الظمأ، ولأن الجميع كان ينتظر على أحر من الجمر شهر مارس، هذا الذي أعلن الوالي ميرغني صالح أنه سيشهد انسياب المياه من سدي ستيت في الشبكة الناقلة.

إلا أن خيبة الأمل كانت كبيرة، حينما تأكد أن نهاية مشروع المياه لا يمكن الوصول إليها حالياً، وما بين شراء سيارات تؤكد حكومة الولاية حاجتها إليها وإحباط المواطنين تظل أزمة المياه بالقضارف لغزًا محيراً رغم الوعود الكثيرة التي ظلها يطلقها الوالي ميرغني صالح.

شراء السيارات والعاصفة

رغم توجيه النائب الأول لرئيس الجمهورية القاضي بحظر شراء السيارات للوحدات الحكومية، إلا أن حكومة ولاية القضارف مضت غير عابئة بهذا الأمر، وبالفعل وصلت العربات التي اشترتها وأرجأت توزيعها لأكثر من ثلاثة أشهر خوفاً من الرأي العام الذي ثار ضدها خواتيم العام الماضي بداعي وجود قضايا ذات أهمية قصوى تحتم أن توجه ناحيتها الأموال، وأبرزها تردي الخدمات الصحية، ووصول قسم الأطفال بمستشفى القضارف إلى مرحلة تنويم خمسة أطفال في سرير واحد، عطفاً على إصابة ووفاة أكثر من اثنين ألف مواطن بمرض الكلازار وسوء التغذية، بالإضافة إلى قضية مياه الشرب التي ظلت تراوح مكانها مع وعود متكررة باقتراب طي هذا الملف ولكنها ذهبت جميعها أدراج الرياح، وبالعودة إلى السيارات التي تم شراؤها بمبلغ يفوق الستين مليون جنيه فقد تم توزيعها على عدد من الدستوريين.

مفارقة وحيرة

وفي مفارفة يصفها الشارع بالقضارف بالغريبة، فقد تم منح المجلس التشريعي سيارتين لاندكروزر “أوباما”، وتجيء المفارقة من واقع أنه حتى وإن أرادت حكومة الولاية منح المجلس التشريعي عربة، فكان يجب أن واحدة تذهب ناحية رئيسه فقط على أن يتنازل عن سيارته القديمة لنائبه في المجلس، ولكن منحه الاثنان سيارات جديدة، كما تم منح المجلس عربة ثالثة من وزارة المالية.

ونظر كثيرون إلى هذه المنحة من زاوية أنها أقرب إلى المكافأة بعد أن تمكنت حكومة الولاية من تمرير إجازة ميزانية العام 2018 رغم اعتراض المجلس في بادئ الأمر، فيما يتوقع آخرون أن تكون هذه السيارات بمثابة الرشوة للمجلس حتى يمرر مقترحاً يقضي بتركيب عدادات دفع مقدم في المنازل لمياه الشرب، يتوقع أن يتم وضعه على منضدة المجلس في الفترة القادمة.

وبحسب مصادر، فإن تكلفة العداد الواحد تربو على العشرة آلاف جنيه، وفي ذات ملف السيارات الجديدة، فإن الوالي وبطبيعة الحال تم منحه سيارة فارهة، ولم يكتف بذلك، بل قرر بحسب مصادر أن تظل العربة التي كان يستعملها في خدمته أيضاً، فإن السيارات المخصصة للوالي تصل إلى الرقم خمسة.

عجز وتمويل

والغرابة التي تكمن في قضية السيارات أن حكومة الولاية أعلنت عن عجز في تمويل مشروع المياه بمبلغ 570 مليون جنيه حتى تتمكن من إنجاز المشروع، ويرى البعض أن هذا العجز كان من الممكن تغطيته من قيمة السيارات، بالإضافة إلى بيع مبنى المجلس التشريعي لعدم الحاجة إليه ولضعف أدائه، بالإضافة إلى توجيه مبلغ تشييد قصر الضيافة إلى المياه.

ويرى قادة بالقضارف أن الحكومة أدمنت تبديد الموارد وأن مشروع المياه اتحادي من حيث التمويل وادعاء حكومة الولاية بوجود عجز يبدو مبرر غير موضوعي، ويتساءلون عن التكلفة الحقيقية لمشروع توصيل المياه من سدي سيتيت إلى القضارف لجهة أن حكومة صالح وفي كل عام تعلن عن تكلفة مختلفة عن سابقتها، رغم أن تقرير المراجع العام حدد التكلفة، وأوضح أن التمويل اتحادي، وكشف عن عدد من المخالفات.

استنكار وتعجب

يرى القيادي البارز الأمين عبد اللطيف البدوي، أن قضية مياه القضارف ظلت تحوز على اهتمام واسع من قبل المواطنين، وذلك لأهميتها، معتقداً في حديث لـ(الصيحة) أن التركيز عليها أمر طبيعي ينبع من واقع تطلع أهل المدينة لحل هذه الأزمة التي تطاول أمدها، لافتاً إلى أن ربط قضية المياه بشراء حكومة الولاية لسيارات بمبلغ ستين مليون جنيه أيضاً أمر طبيعي يأتي من واقع حديث المسؤولين المتكرر عن وجود عجز في التكلفة الكلية للمشروع.

ويضيف: كثيرون يعتقدون أن المبلغ الذي تم توجيهه لشراء السيارات كان من شأنه أن يسهم في تقليل التكلفة، لذا فقد استنكر الشارع اتجاه الحكومة لشراء سيارات بهذا المبلغ في ظل وجود كثير من الأولويات التي تحتاج الى الصرف عليها، وفي تقديري أن الولاية كان عليها أن تكتفي بعدد محدود من السيارات لا يتجاوز الثلاث فقط، وأن تحول كل الموارد إلى المياه وغيرها من قضايا ذات أهمية قصوى لدى المواطن، ورغم أن حكومة الولاية تبرر هذا الأمر بحاجتها إلى سيارات تساعد في رفع الإيرادات، ورغم الدعم الذي حظيت به من قبل المجلس التشريعي في هذا الإطار، إلا أن الشارع يرى خلاف ذلك.

وفيما يتعلق ببيع أصول المنظمة الشعبية لمياه القضارف، يلفت عبد اللطيف إلى أمر هام مفاده أن حكومة القضارف ولولا أنها تلقت ضوءاً أخضر من قبل بعض القيادات لما أقدمت على هذه الخطوة، وقال إن الوالي وحتى يأتي الأمر مؤسسياً لم يجد غير أن يصدر مرسوماً مؤقتاً أودعه منضدة المجلس التشريعي الذي أجاز قرار بيع الأصول التي يكشف الأمين عبد اللطيف البدوي أنها ستظل مثار جدل لفترة طويلة لوجود تباين في الآراء حول بيعها.

وعود سراب

عضو المجلس الوطني، مبارك النور، يبتدر حديثه بالإشارة إلى أن حكومة ولاية القضارف أدمنت إطلاق الوعود بتحديد مواعيد وصول المياه إلى القضارف، ويقول في حديث لـ(الصيحة) إنها ظلت مجرد أحاديث للاستهلاك يحملها الهواء ولا تصمد كثيراً، مؤكداً أن مارس الحالي هو الشهر الذي حدده الوالي ميرغني صالح موعداً لوصول المياه إلى القضارف، ولكن اتضح أنه مجرد وعد لتخدير المواطنين، ويؤكد مبارك النور أن المشروع لن ينتهي قبل العام 2020، ويرجع تأكيده هذا إلى مرور الخط الناقل بالقرب من القرية التي يقطنها، قاطعاً بعدم معرفة حكومة الولاية الحالية مبدأ ترتيب الأولويات، ويرى أن شراءها سيارات بمبلغ يفوق الستين مليون جنيه باعتماد إضافي خارج الموازنة، يوضح أن أدعاءها عدم امتلاك الولاية لأموال مجرد حديث لا أساس له من الصحة.

ويعتقد أن هذا المبلغ كان من باب أولى توجيهه ناحية حل أزمة مياه الشرب، وقال إن ما حدث يعتبر هدراً للمال العام، مبيناً أن القضارف تفتقد فقه الأولويات، موضحاً أن صندوق إعمار الشرق وحكومة الولاية يمضيان على ذات الطريق، ضارباً المثل بتشييد الصندوق مستشفيات جديدة في مدن توجد فيها مرافق صحية كانت تحتاج فقط لتأهيل على أن يتم توجيه المبالغ الطائلة إلى تشييد الطرق المسفلتة وحل أزمة مياه الشرب.

غياب فقه الأولويات

ويؤكد النائب البرلماني مبارك النور ارتكاب عدد من الأخطاء في مشروع مياه القضارف، وأضاف: الشبكة الداخلية التي تم تركيبها في عهد الضو الماحي رغم أنها بحالة جيدة جاءت حكومة ميرغني صالح وأزالتها لتبدد على إثر ذلك أموالاً طائلة رغم أن مساحات مقدرة منها كانت صالحة للاستعمال، كما أن حكومة صالح ألغت عقداً تم إبرامه في عهد الضو الماحي مع إحدى الشركات وأضاعت على الولاية مبلغ ستة ملايين جنيه، ويؤكد مبارك النور أن حكومة الولاية فاشلة.

ولم ينس أن يدمغ ميرغني صالح بالضعف، ويرى أن عدم تحقيق إنجاز يحسب لها طوال ثلاث سنوات يوضح أنها حكومة أقل من التوقعات، ويلفت إلى أن القضارف حالياً تشهد أزمة حادة في مياه الشرب جراء التغيير الذي طال الخطوط، مبيناً أن تقرير المراجع العام الأخير أثبت وجود عدد من المخالفات في ملف مياه الشرب، ولا يتوقع العضو البرلماني مبارك النور الانتهاء من مشروع المياه في هذا العام.

مشروع اتحادي

سألت وزير المالية الأسبق بالقضارف، الخبير الاقتصادي، معتصم هارون، هل مشروع مياه حاضرة الولاية اتحادي أم ولائي، فأكد أنه اتحادي وأن رئيس الجمهورية المشير البشير تعهد به عند زيارته إلى القضارف في العام 1991، وأنه بناء على هذا التعهد والوعد الرئاسي رفيع المستوى، فإن الحكومة الاتحادية تكفلت بإنشاء المحطة بسدي نهر عطبرة وستيت وتعمل حالياً في توصيل الخط الناقل، ويؤكد في حديثه لـ(الصيحة) إن هذه معلومة معروفة ولا جدال حولها.

بيد أن وزير المالية الأسبق للقضارف يعتقد أن الغعلان المتكرر لحكومة الولاية عن موعد لافتتاح المشروع ثم عدم الوفاء به يعتبر دليلاً علي عدم وجود تخطيط، مستبعدًا الاستفادة من المشروع في القريب العاجل لجهة أن وزارة المالية أعلنت قريباً عن عطاء للخطوط الناقلة، وأن هذا ـ بحسب معتصم ـ يعني أن نهاية المشروع لن تكون في الوقت الراهن، ويلفت إلى أن حكومات الولاية السابقة كانت تولي هذا المشروع اهتماما كبيراً، وفي ذات الوقت تحاول إيجاد حلول إسعافية لأزمة المياه، وهذا جعل المدينة في منأى من العطش، ويكشف عن أن تركيز الحكومة الحالية على مشروع المياه المنقولة من الخزان أثر سلباً على جهودها ناحية الحلول الإسعافية، حيث تشهد القضارف هذه الأيام أزمة حادة في مياه الشرب نتج عنها وصول سعر “جوز” المياه إلى عشرة جنيهات، وهذا لم يحدث من قبل في القضارف.

أزمة قائمة

وينوه وزير المالية الأسبق إلى أن الكثيرين يتحدثون عن أن المشروع وبعد انتهاء العمل فيه سيضع حداً لمشكلة مياه حاضرة الولاية، وتساءل “ماذا عن أزمة المياه في المحليات الأخرى”، ويعتقد أن حكومة الولاية مطالبة بالعمل بانسجام وتجانس ورؤية واضحة مع كل الملفات وعدم التركيز على ملف واحد، وقال إن جامعة القضارف أيضا لها دور في قضية المياه، وذلك عبر الاستبيانات التي توضح آراء المواطنين عن أداء حكومة الولاية حول هذا الملف، بالاضافة إلى وجهة نظرهم حول الخدمات، مبيناً أن هذا من صميم أعمال الجامعة، وليس تنظيم مناشط يثير الجدل بين المواطنين، ولهم فيها رأي، معتقداً أن الجهات الرسمية في حكومة الولاية غيبت الرأي العام تماماً في مشروع المياه، وكان عليها أن تخرج إليه وتملكه المعلومات كاملة حتى يكون على معرفة بكافة التفاصيل.

وفيما يتعلق بشراء سيارات بمبلغ يفوق الستين مليون جنيه، أشار وزير المالية السابق أن حكومة الولاية هي التي يجب أن تسأل عن ترتيب أولوياتها، والإجابة عن السؤال الذي يردده كثيرون حول هذا الأمر، وأيضاً توضيح أسباب بيع أصول المنظمة الشعبية، ويرى أن المجلس التشريعي أيضاً مطالب بتمليك الرأي العام الحقائق حول ملف المياه.

دفوعات وتوضيحات

وضعت كل ما يدور في الشارع من علامات استفهام واستنكار منضدة رئيس المجلس التشريعي بالقضارف، محمد علي المرضي، الذي أكد ان مشروع المياه لن ينتهي في هذا الشهر، كما يردد البعض، ونفى في حديث لـ(الصيحة) وجود عقبات مالية في التمويل، كاشفاً عن أن المشروع تم تمويله من المصارف عبر نظام الاستدانة وأن الشركات التي تم التعاقد معها تتعامل مباشرة مع البنوك عقب إنجاز عملها، مشددًا على أن المال متوفر ولا يمثل عقبة تقف في طريق تنفيذ المشروع إلى نهايته، موضحاً أن العمل في تغيير الخطوط أربعة بوصة بطول يتجاوز ألفاً وستمائة كيلو متر ما يزال مستمراً، وقد يستغرق وقتاً، إلا أن ود المرضي قطع بنهاية المشروع خلال هذا العام، رافضاً تحديد شهر بعينه.

وفيما يتعلق بشراء 26 سيارة، أكد رئيس المجلس التشريعي أن تسع عشرة منها تم توجيهها للتحصيل وسبع فقط خصصت للدستوريين، وقال إن وزراء ومعتمدين ودستوريين اشتكوا عدم الحصول على سيارات، مؤكداً عدم وجود اتجاه لشراء سيارات جديدة.

القضارف: صديق رمضان
صحيفة الصيحة

Exit mobile version