ينظر الى اي تعديلات يجريها المؤتمر الوطني على قطاعاته وأماناته نظرة تتجاوز الحزب وتتعداه الى العملية السياسية برمتها في السودان باعتبار ان المؤتمر الوطني هو الحزب الاكبر المشارك في اي حكومة تتكون بعد الانفتاح السياسي منذ حل مجلس قيادة ثورة الانقاذ في العام 1993م.
واكبرتطور شهده المؤتمر الوطني في العام 2000م بعد المفاصلة الشهيرة بين الاسلاميين في ديسمبر من العام 1999م والتي تم فيها اكبر تعديل على النظام الاساسي للحزب بألغاء منصب الامين العام والذي كان يشغله الدكتور غازي صلاح الدين في العام 1996 وسبقه الشفيع احمد محمد ،وفي العام 1998م تولى منصب الامين العام د.حسن الترابي ، والذي احدثت توجهاته وهو رئيس للمجلس الوطني في بعض القضايا الكبرى الخاصة بالعملية الدستورية والسياسية.
وجاء تعديل النظام الاساسي بإلغاء منصب الامين العام حتى لا تكون الامور كلها في يد شخص واحد ، وكان التعديل باستحداث نائبين لرئيس المؤتمر الوطني الاول يسمى نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنفيذية وهذاغالبا ما يتولاه النائب الاول لرئيس الجمهورية وقد تولاه من قبل الاستاذ علي عثمان محمد طه والان وبحكم المنصب كما هو واضح يتولاه النائب الاول لرئيس الجمهورية الفريق اول بكري حسن صالح ، اما النائب الثاني لرئيس المؤتمر وهو معني بالشؤون التنظيمية والسياسية ويتولاه شخص هو غالبا ماتكون مهامه كما كان في منصب الامين العام السابق وهو المعني بإدارة نشاط الحزب ،وقطاعاته وأماناته المختلفة وهو الشخص المعني بالتنظيم الاداري للحزب من حيث انعقاد اجتماعاته الدورية ومتابعة التكاليف واداء الحزب في العمل السياسي والمجتمعي .
وقد تولى هذا المنصب بعد المفاصلة د. نافع على نافع ، وبروفيسور إبراهيم غندور ، والمهندس ابراهيم محمود ، واخيرا د. فيصل حسن ابراهيم ، ويكشف هذا التنوع من القيادات في ادارة حزب كبير مثل المؤتمر الوطني ، بأنه حزب مليء بالكفاءات فقد تنوعت المواقع الجغرافية لمن تولوا منصب نائب رئيس الحزب للشؤون السياسية والتنظيمية بين ولايات السودان المختلفة ،وهذا التنوع يكسب الحزب حيوية ، ويفك الاحتكارية التي تتميز بها بقية القوى السياسية الاخرى التي ينحصر امر قيادتها في بيوت بعينها او مساحة جغرافية لاتتجاوز العاصمة السياسية .
والتعديل الاخير للمؤتمر الوطني والذي شمل القطاعات الكبيرة والامانات احدث حراكا كبيرا وسط الحركة السياسية في السودان وذلك لثقل المؤتمر الوطني في الحركة السياسية في البلاد وارتباط هذا التغيير بمتغيرات سياسية واقتصادية وأمنية وعلاقات دولية واقليمية ، وايضا بارتباطه بالشخوص الذين تولوا التكليف الجديد.
ولعل المتغير الاقتصادي والذي ظهر بقوة بعد اجازة ميزانية العام 2018م، هوالارتفاع الكبير للاسعار والانخفاض المستمر للجنيه مقبل العملات الاخرى ، فإن هذا الوضع قد وضع الحزب امام عضويته وامام القوى السياسية الاخرى في حرج بالغ ،رغم البشريات التي سبقت اجازة الميزانية من قبل القائمين على أمرها ، والغريب في الامر ان من تولى منصب نائب رئيس الحزب هم المعنيون بالانتاج والانتاجية فإن تخصص د.نافع هوالزراعة التي درسها في جامعة الخرطوم وحصل على دراسات عليا في أمريكا ، اما المهندس ابراهيم فقد درس هندسة زراعية في جامعة الاسكندرية بجمهورية مصر العربية واما بروفيسور غندور فقد درس طب الانسان بجامعة الخرطوم ، وكما قيل فإن صحة الانسان وهو المعني بالانتاج تبدأ بالفم ، اما د. فيصل حسن ابراهيم فقد درس البيطرة بجامعة الخرطوم وعمل وزيرا للزراعة بولاية الخرطوم وهي الولاية الاكثر تعدادا للسكان في السودان ،كما عمل وزيرا للثروة الحيوانية وهي مورد مهم للسودان ويتعبر السودان من اكثر الدول إنتاجا في هذا المجال .
ويشكل التحدي الاقتصادي واحدا من التحديات التي تواجة الامانة الجديدة للمؤتمر الوطني ، وقد خرج المؤتمر الوطني هذه المرة من الوجوه المكررة التي تعاقبت على القطاع الاقتصادي وجيء بمصرفي شاب وهومساعد محمد احمد عمل رئيسا لاتحاد المصارف وهو الموقع الذي اكسبه معرفة جيدة بالوضع داخل المصارف وتأثيرها على الحركة الاقتصادية في البلاد سلبا وايجابا خاصة فيما يتعلق بأمر الموارد من النقد الاجنبي ، وماحدث من تجاوز في هذا الامر من بعض المصارف ، وبالتالي فإن وضع رجل مثل الاخ مساعد محمد احمد ، قد تكون الرؤية بالنسبة له واضحة اذا حدث اي خلل او ظهر أثر سالب لها في السوق فإن مؤشرات او اسباب ظهور مثل هذه الحالات يكون معروفا له ، وبالتالي تسهل المعالجة ، كما كان يتابع وزير المالية الاسبق المرحوم عبد الوهاب عثمان حاج موسى، والذي استطاع ان يحافظ على سعر الصرف في ظل حرب الجنوب وقتها وجهود استخراج النفط .
وتمثل انتخابات 2020 م التحدي السياسي الثاني الذي يواجه القيادة الجديدة للمؤتمر الوطني ، لان الانتخابات القادمة تمثل مرحلة جديدة في تاريخ السودان السياسي ، لانها تأتي بعد مؤتمر الحوار الوطني والتوقيع على الوثيقة الوطنية من كافة القوى السياسية في السودان التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني ، ولقد جاء اختيار د. عبد الرحمن الخضر رئيسا للقطاع السياسي ، والخضر قد عمل واليا لثلاث ولايات ذات ثقل سكاني كبير وهي جنوب دارفور والقضارف والخرطوم ، ولكن للاسف جاءت ولاية الخرطوم في الانتخابات العامة في عهد الخضر في اخر ولايات السودان من حيث الكسب السياسي، وهذا الامر قد يقدح في تولي الخضر لهذا القطاع في ظل تنافس قد يكون محموما وقويا اكثر من الانتخابات السابقة ، وبالتالي فإن امام الخضر فرصة ليثبت بأنه جدير بهذا الموقع المهم والذي يعتمد عليه الوطني في أهم نشاطاته ، والقطاع السياسي ليس وحده المسؤول عن انتخابات 2020م وبنفس المسؤولية يشاركه قطاع الاتصال التنظيمي وهو مسؤول عن الولايات التي تبلغ 18 ولاية وبالتالي فإن عظم مسؤولية الاتصال التنظيمي تتعاظم بشكل أكبر من القطاع السياسي في مسألة الانتخابات القادمة ، وايضا جاء التعديل الذي تم مؤخرا في الوطني باختيار الشاب حامد ممتاز ليكون رئيسا لقطاع الاتصال التنظيمي ، فإن الشاب حامد ممتاز ومن خلال عون ومؤازرة نائب رئيس الحزب ، والذي كان يشغل ذات المنصب فإن الامرقد يكون خاليا من المطبات التي وقع وقع فيها رئيس القطاع الاسبق حامد صديق ونائبه بلال عثمان ، وبالتالي فإن تحدي قطاع الاتصال التنظيمي والقطاع السياسي في انتخابات 2020 سيكون الامتحان العسير خاصة وان بعض ولايات السودان قد شهدت تفلتات تنظيمية كادت ان تحدث شرخا مثل ما حدث في الجزيرة والبحر الاحمر ومن قبلهم القضارف .
اما التعديل الذي تم في قطاع الاعلام ربما كان هو الأهم حيث كانت تسند ادارة الاعلام لاشخاص ليس لهم ارتباط مباشر بالاعلام مثل معتز موسى وابراهيم غندور وعادل عوض سلمان ، ويجيء اختيار عوض جادين لهذا القطاع من خلال خبرته الاعلامية حيث عمل مديرا للاذاعة والتلفزيون ووكالة السودان ورئيسا لمجلس ادارة صحيفة الصحافة ،وعمل في بداية عهد الانقاذ مديرا تنفيذيا لقناة الخرطوم الدولية ، ويمثل الاعلام واحدا من اهم التحديات التي تواجه القيادة الجديدة خاصة في انتخابات 2020م ، وقد ظهر الاعلام الجديد في ظل الازمة الاقتصادية الاخيرة بشكل فعال وقد كاد هذا الاعلام ان يحدث ازمة فقدان ثقة في الحكومة وسياساتها ، واذاع الخوف والهلع وسط الموطنين ، في نشر الشائعات ، والاخبار المضروبة والمفبركة والمعالجة ،ولكن السلطات أدركت الامر واستطاعت معالجته واعادت الثقة وازالت حالات الخوف والهلع التي انتابت المواطنين ، والاعلام فعلا قد يحتاج لرؤية الجديدة خاصة وان نواب رئيس القطاع من أهل الاختصاص في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتقنيات وهما الدكتورة تهاني عبد الله وزير الاتصالات واسامة الريس رئيس مدينة افريقيا التكنولوجية ، والإعلام يمثل رأس الرمح في العملية السياسية والاقتصادية ، وكما الرئيس البشير من قل فإن كان في السابق الناس على دين ملكوهم،فإن في هذا العصر الناس على دين إعلامهم .
الخرطوم: محفوظ عابدين
صحيفة الصحافة.