بعد طول غياب عن حفلاته الجماهيرية كنت يوم الجمعة شاهدا علي درس بليغ ومطلوب في الاستماع قدمه الباشكاتب الموسيقار الاستاذ محمد الامين لجمهوره الذي ضاقت به ساحة مسرح نادي الضباط..
نعم في الوقت الذي يتسول فيه انصاف الفنانين الجمهور ليردد معهم الاغنيات الفطيرة ، توقف محمد الامين عن اداء الياذته (زاد الشجون) حينما شاركه الجمهور الغناء وهو يردد : (ماهو يا تغنوا انتو يا اغني انا؟!).
وقع عتاب الباشكاتب علي الجمهور المتفهم (والمتعود علي طريقته) كان رائعا اذا ارتفعت الحناجر لتحييه وتنزله المقام الذي يليق بفنه، الباشكاتب عاد واعتذر كذلك للحضور بحجة احترافية فيها قدر عالي من المنطق و الجدية والالتزام الذي عرف به تجاه فنه وجمهوره..
محمد الامين برر لموقفه بالقول (هنالك اغنيات تحتمل ان تغنوها معي مثل الموعد وياحاسدين غرامنا ) ولكن دعوا لي الاغنيات الكبيرة التي اجتهد في احداث اضافات اثناء ادائها بينما تحفظونها انتم بالتسجيلات القديمة، محمد الامين لم ينس ان يخاطبهم كذلك بحب ومودة : (اتذكروا انكم جايين تستمعوا مش تغنوا)..
اروع لوحات الحفل كانت حالة الرضاء التي تنزلت علي الجمهور وهو يهتف بالموافقة علي وجهة نظر محمد الامين الفنية الموسيقية البحتة ..
شخصيا وقبل ان يتوقف( ود الامين) عن اداء زاد الشجون تمنيت ان يصمت الجمهور و(الباشكاتب) يجتهد في الاضافات مع (بيكلو) اسامة و(كمنجات) اسماعيل ولؤي..
الصديق ضياء الدين بلال وفي احد قروبات الواتساب يري في ما حدث (حالة سودانية حالة انهيار الحواجز بين المطرب والجمهور والكاتب والقراء المدرب والمشجعين لا أحد يقبل بأن يكون في دور المتلقي)،منصور خالد يطلق علي ما ذهب اليه ضياء الدين (الاستباحة)..
رايي ان العلاقة بين المبدع والمتلقي تحتاج الي ترسيم حدود حتي تكتمل اللعبة الحلوة، دخول الجمهور ل(ملعب الباشكاتب اوقف زاد الشجون وكاد ان يلغي مباراة استمتعنا بها حتي اخر دقيقة والجمهور يغني بكامل طاقة حنجرته : وعدتك قبل كدة مرات ولسة برؤيتك بحلم، ويستبد به الطرب فيقف علي امشاط احساسه مرددا: ياحاسدين غرامنا ويا قاصدين خصامنا شوفوا غيري وغير حبيبي)..
للذين ارادوا تجريم الباشكاتب اقول: انه درس من استاذ عظيم ، استمرت مدرسته الغنائية وروعته الادائية لاكثر من ستين عاما ، فهو قمين بتقديم مثل هذه الدروس في فن الاستماع..
واخيرا: الجمهور راضي شن دخل القاضي..
في حفل محمد الامين اعجبتني عودة الشباب الي مقامات الغناء الرصين واقلاعه عن تعاطي البندول والترامدول وانواع المسكنات التي ملات صيدليات الاستماع…
عزيزي محمد الامين: تغير كل شئ في السودان الاصوتك..
دمت بالف خير.
بقلم
محمد عبد القادر