(مواسير اقتصادية)

:: كان الأسبوع الفائت حافلاً بنوع من الأخبار والأحداث الاقتصادية .. فالحكومة بدأت الأسبوع بما أسمته بالتمويل العقاري للمغتربين، و فرحنا مع المغتربين وشكرنا الحكومة، ولكن تفاجأنا في اليوم التالي بالمنشور الصادر عن البنك المركزي يوضح أن التمويل بالجنيه و السداد بالدولار .. ثم جاء خبر وكالة سونا للأنباء بالنص الرائع : (أعلنت حكومة الإمارات عن دعم احتياطيات العملات لبنك السودان بمبلغ 5 مليارات درهم إماراتي، ما يعادل 1.4 مليار دولار)، ولكن قبل أن تكتمل الفرحة ويرتفع سعر الجنيه، خرج وزير الدولة بالمالية قائلا : (لا علم لي باستلام الحكومة لهذه الوديعة)..!!

:: ثم خبر نهاية الأسبوع، كان رائعاً أيضاً .. ( نقل وزير المعادن البروفسير هاشم علي سالم إلى رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، رغبة استراليا في الاستثمار بالسودان بمبلغ ( 11مليار دولار)، وقال هاشم سالم في تصريحات صحفية عقب لقائه الرئيس البشير بالقصر الجمهوري إن أستراليا عرضت عليهم وديعة بقيمة ( 7 مليارات دولار)، اربعة مليارات منها تتم تخصيصها للاستثمار في مجال التعدين، و7 مليارات دولار كوديعة، مشيرا إلى أنه سيتم الاتصال بالمستثمرين الاستراليين للبدء في إجراءات هذا الاستثمار)، هكذا كان الخبر المفرح للغاية ..!!

:: ولكن في الخاطر حكاية.. في ذات يوم من أيام أغسطس 2014، قصدت وزارة المعادن بحثاً عن خبراء وعلماء الوزارة، ليحدثوني عما أسموه بالاستثمار الروسي الضخم، وسألتهم عن تفاصيل مشهد التوقيع على العقد و قد تحول إلى (قضية رأي عام).. كانوا ثلاثة خبراء ، استقبلوني ثم وضعوا على طاولة خرائط ودراسات وصور، ثم شرعوا في الحديث بالتناوب .. قالوا أن الثلاث السنوات القادمة هي الفاصل الزمني المقدّر ليتربع السودان موقعاً متميزاً في قائمة الدول المُصَدّرة للذهب، وربما صدارة القائمة .. وأن هناك شركة روسية إكتشفت ما يُقدَّر بـ(46.000 طن) من الذهب بولايتي البحر الأحمر ونهر النيل، وأنها شركة راسخة و تأسست في العام (1991)، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ..

:: وللمزيد من التشويق، قال أحدهم بالنص : تمتلك الحكومة الروسية من أسهمها (66%)، ويمتلك رئيس المجلس الفدرالي الروسي وآخرين (44%)، وهي الأكبر في إنتاج النحاس والنيكل في العالم.. والقانون في بلادنا يُلزم شركات الذهب الأجنبية بتسجيل اسم عمل في مسجل الشركات، وليس بالضرورة أن يكون (اسم العمل) هو (اسم الشركة)، وكثيرة هي الشركات التي تعمل في مجال الذهب والبترول في السودان بأسماء أعمال مختلفة.. وأن شركة سيبيريا مجرد اسم عمل في السودان، وهي في الأصل تلك الشركة الروسية التي يرأس مجلس إدارتها رئيس المجلس الفيدرالي الروسي (شخصياً)..!!

:: والمهم.. بعد ساعات من الشرح وعرض الخرائط والصور، خرجت من وزارة المعادن – في تلك الظهيرة – مَشبعاً بالذهب لحد (الذهللة)، بحيث كل ما حولي كان يلمع كالذهب ..العربات، أشجار شارع النيل، رؤوس الناس، كلها يبدو لي كالذهب من وطأة تأثير أحاديث وخرائط وصور من نصفهم بالعماء والخبراء .. فالساسة يتجملون أحياناً أو دائماً، ولكن العلماء والخبراء لايتجملون إطلاقاُ، أو هكذا يجب أن يكونوا، ولذلك خرجت من وزارتهم منتشياً بجبال الذهب (46.000 طن)، ثم شرعت في متابعة أخبار الشركة – بشوق وتلهف – حتى تم طردها ونزع أرضها قبل أن تنتج (وقية ذهب).. ولذلك، قرأت خبر الوديعة الاسترالية الصادر عن وزارة المعادن بلسان حال قائل : (الفيلم دا حضرناه في القضارف)..!!

بقلم
الطاهر ساتي

Exit mobile version