ما هي الفرقة الناجية؟

الفرقة الناجية
السؤال:
ما هي الفرقة الناجية؟ وما المقصود بكلمة “أمتي” في قوله صلى الله عليه وسلم “تنقسم أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا ملة واحد”؟ وأيضاً ما المقصود بكلمة “ملة”؟

الاجابه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالحديث رواه أبو داود والترمذي عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» وفي سنن ابن ماجه عن عوف بن مالك رضي الله عنه “وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الْجَمَاعَةُ. وفي لفظ “ما أنا عليه وأصحابي” والحديث قال فيه الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع الصغير وزيادته؛
وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسـلم حيث أخبر أن التفرق والاختلاف سيحصل في هذه الأمة، وهو ما صدَّقه الواقع وذلك حين ظهرت تلك الفرق التي انحرفت عن الصراط المستقيم؛ كالروافض الذين غلوا في أهل البيت عليهم السلام ورفعوهم فوق منزلة النبيين، وفي الوقت نفسه أبغضوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسـلم وكفروهم وتبرأوا منهم، وكالخوارج الذين قاتلوا أهل الإسلام وتركوا أهل الأوثان وأعملوا السيف في أمة محمد صلى الله عليه وسـلم، وكالقدرية مجوس هذه الأمة الذين جعلوا الإنسان هو خالق أفعال نفسه، والجبرية الذين قالوا: الإنسان لا اختيار له بل هو كريشة في مهب الريح والحساب ظلم، وكذلك الجهمية الذين جحدوا ما وصف الله به نفسه من نعوت الجلال والكمال. وكذلك المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، إلى غير ذلك من الفرق التي انحرفت عن النهج السوي الذي جاء به نبينا عليه الصلاة والسلام وعلَّمه أصحابه رضوان الله عليهم.
فكل فرقة انحرفت عن هذا النهج فهي متوعدة بالنار، ولا يعني ذلك أنها كافرة بالضرورة، بل فيها من يصدق عليه وصف الكفر لإتيانه شيئاً من الكفر، وفيها من ليس كذلك لكنه متوعد بالنار، قال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَابِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا بَلَغَنِى عَنْهُ قَوْلُهُ: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً». فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ كُلَّهَا غَيْرُ خَارِجِينَ مِنَ الدِّينِ إِذِ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لاَ يَخْرُجُ مِنَ الْمِلَّةِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِى تَأْوِيلِهِ
هذا ومن رحمة ربنا جل جلالـه أن هذا الاختلاف الطارئ وهذه الفرق المحدثة لم تستطع التأثير على جوهر الدين وأساسه بل بقي محفوظاً بحفظ الله جل جلالـه، وكذلك عموم المسلمين باقون على الفطرة عاملون بوصية النبي صلى الله عليه وسـلم “ألا إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل ضلالة في النار”.
والفرقة الناجية وصفها النبي صلى الله عليه وسـلم بأنها الجماعة، أي ما عليه إجماع علماء المسلمين، وفي بعض الروايات وصفها بأنهم “السواد الأعظم” فمن أراد أن يكون من الفرقة الناجية فعليه أن يتبع ما عليه عامة علماء الأمة من أهل الأمانة والديانة والفقه والورع من الأولين والآخرين الأقدمين والمعاصرين، وعليه أن يجتنب الشذوذ والفرقة والإحداث في الدين.
وعليك أن تحذر أخي من أن تعمل على تطبيق هذا الحديث على الجماعات العاملة للإسلام الداعية إليه على بصيرة؛ فإنها ما اختلفت في أصول الدين ولا تنازعت في أصول الحلال والحرام ولا أصول العقيدة ولا أصول الأخلاق، بل خلافها إنما يكون في أسلوب الدعوة والعمل للإسلام، فكلها من أهل الفرقة الناجية. والعلم عند الله تعالى.

فتاوي
الشيخ: د. عبد الحي يوسف

Exit mobile version