وفي عاميتنا السودانية نقول: (تفك) السكرة..
*وبالفصحى نقول : تروح السكرة…. وتجيء العبرة..
*والسكرة قد تطير قبل أوانها بالقهوة المرة… أو الماء البارد… أو الخُلعة الشديدة..
*وسكرتنا التي نعنيها اليوم لا تطير إلا بالعامل الأخير هذا..
*وخلال زيارة ضابط الأمن الرفيع لنا كان الحديث عن نوع عجيب من السُكر..
*وكان ذلك أيام رئاستنا لتحرير صحيفة (الدستور)..
*والضابط الرفيع هو العميد أمن معاش – بنظام مايو- حسن بيومي… عليه الرحمة..
*وسبب الزيارة احتجاجه على شيء كنا ننشره وقتذاك..
*وهي حلقات عن ممارسات تعذيب من تلقاء جهاز الأمن… يعدها أحد منسوبيه..
*ونفى بيومي بشدة لجوء أمن مايو لتلكم الممارسات..
*قال إنه كان جهازاً أمنياً منضبطاً… وما كان نميري نفسه ليقبل بإذلال الناس..
*وملت إلى تصديق محدثي رغم تدبيري مواجهة بين الضابطين..
*شعرت إنه كان صادقاً جداً… ويسأل زميله عن أماكن التعذيب بدهشة حقيقية..
*وفضلاً عن ذلك فإن مدير الجهاز كان صوفياً شفيفاً..
*فلم يُعرف عن عمر محمد الطيب نزوع إلى العنف… أو الشدة… أو التعذيب..
*المهم بعد أن سكت عنه الغضب أخذنا الحديث إلى السكرة..
*قلت له إن كان جهازكم بكل هذه الاحترافية فلماذا فشل في قراءة الواقع؟..
*وكنت أقصد الواقع الذي سبق الانتفاضة… وقاد إليها..
*فأجابني بأنهم كانوا يحرصون على إرسال تقارير مفصلة لنميري كل يوم..
*وكانوا يقرأون الواقع قراءة سليمة… ويتوقعون (النهاية)..
*ولكن في مقابل هذه التقارير الأمنية (الواقعية) كانت هنالك تقارير سياسية (وهمية)..
*وكان جعفر نميري (يحب) تصديق هذه الأخيرة..
*فهي تلامس بداخله وتراً يعزف لحن (الخلود)… وتشعره بأنه الرئيس (المحبوب)..
*وما يعضد هذا الشعور لديه الحشود الجماهيرية (المصطنعة)..
*وما انتبه – كما انتبهوا هم – إلى حقيقة هذه الحشود التي يتولى أمرها (المقاولون)..
*فهم بارعون في حشد التلاميذ… والموظفين… والبسطاء..
*تماماً كما كان مقاولو عهد عبود يصنعون الشيء ذاته… ويقبضون الثمن..
*فتشق سيارة الرئيس هذه الحشود… وهو يلوح بعصاه فرِحاً..
*وعجزت (قهوة) جهاز أمن نميري السادة على (فكِّ) سكرته السلطوية (الكاربة)..
*فسكرة السلطة أشد تأثيراً على العقل من سكرة الخمر..
*وتكفلت بهذا الأمر (خُلعة) الثورة الجماهيرية… فراحت السكرة وجاءت العبرة..
*وعلم نميري – بعد فوات الأوان – أن تقارير أمنه كانت صادقة..
*وأنه خُدع بتقارير حاشيته السياسية التي عناوينها العريضة (كله تمام يا ريس)..
*وانتهت المؤانسة مع بيومي إلى خطورة سكرة السلطة..
*فهي تعمي أبصار بعض الرؤساء عن رؤية الواقع… فلا ترى إلا الحشود (المصنوعة)..
*ولا تطير السكرة إلا مع طيران السلطة !!!.
صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة