ظل “شارع غبيراء العام” في العاصمة السعودية الرياض ، يشكل أحد أبرز وأهم وجهات المغتربين السودانيين، وبخاصة عند نهاية الاسبوع .. حيث تفوح “روائح الشواء ” من المطاعم السودانية على طول الشارع ، بينما “روائح البخور المعتق ” تنقل الحواس الى حيث ليالي الأفراح الجميلة في حضن الوطن ، حتى أصبح شارع غبيراء العام هو الأشهر بالوجود السوداني الخالص ، لدرجة أن الشعور يتملك زائره بأنه يتجول في أحد الأسواق السودانية ، و هو يجد فيه كل الاحتياجات التي تماثل صورة طبق الأصل للأسواق الشعبية في السودان ، الى جانب المطاعم التي تقدم الأكلات السودانية بمختلف أنواعها ومذاقاتها مما أكسبها رواجا كبيرا . كما أن أي مغترب يصل لأول مرة الى الرياض يجد في الشارع فسحة تخفف عليه الالام الغربة في سنيها الأولى ، وهو يحظى بدعم من سبقوه حتى يجد العمل المناسب ليصبح أحد المغتربين الفاعلين الذين يقدمون الدعم السخي لأسرهم وكذلك وطنهم عبر ضرائب مباشرة وأخرى غير مباشرة ، لم تلق رد التحية من الحكومة حتى اللحظة.
من شارع غبيراء العام تم إرسال الالاف من “شنط الزواج” في إطار ما ظل يقدمه معشر المغتربين لأسرهم في جميع أنحاء السودان . نقول بهذا الحديث والشارع الأشهر يعيش لياليه الاخيرة ، حيت بدأت تخفيضات غير معهودة للتخلص من البضائع ، خلال فترة زمنية محددة ، مدفوعة بإجراءات السلطات المختصة في السعودية بفرض غرامات مالية ، وتوجيه إنذارات للمحال التجارية بأن تسارع بمعالجة أوضاعها في أطار السعودة ،و”تأنيث “المحال التي تبيع مستلزمات النساء ومن بينها “الثياب والبخور” ، وهي أيضا مهن “مسعودة” وقد دخلت حيز التنفيذ بخلاف مهن أخرى أمامها مهلة حتى عيد الأضحي.
تأتي خطو توطين الوظائف في السعودية ضمن حزمة من الاجراءات التي من بينها تحصيل رسوم مالية شهرية على جميع أفراد الاسر ، وهو واقع يصعب على قطاع عريض من المغتربين التعاطي معه ، باعتبار أن الرسوم المالية تتزايد بشكل مستمر ربما يفوق مداخيل البعض ، الى جانب زيادة أسعار الكهرباء والوقود بنسب تصل 80% ، وفوق ذلك فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% ، في حين يشهد سوق العمل تراجعا في إستيعاب الاجانب ، كل هذه الظروف وغيرها تدفع بالمغتربين بالعودة التي أصبحت واقعا يمشي بقدمين .
أذاً شارع غبيراء العام يعيش حاليا لياليه الاخيرة، قبل أن تتلاشى روائح البخور وتختفي الثياب السويسرية وتصبح “العمم والطواقي والمراكيب ” أثر بعد عين ، لتصبح مجرد ذكريات تروى ، وقصص تحكي ، فالغرامات التي طُبقت بحق بعض المحال والانذارات التي وجهت اليها ، كلها تمضي في طريق واحد أن شارع غبيراء العام أحد أبرز معالم السودان سيختفي ، كما ستختفي كثير من المعالم السودانية ،في ظل المتغيرات التي لم يحسب حسابها معشر المغتربين .
بقلم
مصطفى محكر